للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى، وعظم منته على خلقه، وقدرته على البعث. . .، والعلم عند اللَّه تعالى (١).

- كما قال ابن عاشور عند تفسيره لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} أن هذا زيادة استدلال بما هو أظهر لرؤية الأبصار، وفيه عبرة للناس في أكثر أحواله، وهو عبرة للمتأملين في دقائقه في تكوين الحيوان من الرطوبات، وهي تكوين التناسل وتكوين جميع الحيوان؛ فإنه لا يتكون إلا من الرطوبة ولا يعيش إلا ملابسًا لها، فإذا انعدمت منه الرطوبة فقد الحياة، ولذلك كان استمرار الحمى مفضيًا إلى الهزال ثم إلى الموت (٢).

ومن خلال هذه الأقوال التي ذكرناها يتبين لنا أنه ليس ببعيد أن يكون المقصود من الآية هو ما ذكره أغلب المفسرين، وعندئذ لا يكون هناك تعارض، بل وتكون الآية متفقة مع ما أثبتته العلوم الحديثة حيث يؤكد القرآن الكريم في كثير من آياته التي نزلت في بيان أهمية الماء بل ضرورته للحياة والأحياء في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (الأنبياء: ٣٠)، {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} (الزخرف: ١١)، {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (ق: ٩).

وتدل أبحاث علم النبات على أن عناصر التربة ومركباتها المختلفة الميتة عندما ينزل عليها ماء المطر تذوب فيه وتتحلل فيسهل وصوله إلى بذور النبات وجذوره حيث تتحول إلى خلايا وأنسجة حية، ولذلك تبدو حية ويزيد حجمها بما يتخللها وما يعلوها من نبات (٣).

والماء عماد الحياة في الأرض لكل كائن حي من نبات وإنسان وحيوان، وقد أشار القرآن الكريم في كثير من آياته إلى عظم أهميته في إحيائها فيقول تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} (النحل: ٦٥)، {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}


(١) أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (٤/ ٦١٤).
(٢) التحرير والتنوير (١٧/ ٥٨).
(٣) القرآن وإعجازه العلمي (١/ ١١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>