يمكن إرجاع سببه إلى فهم أحد الكتبة بأن صورة يسوع هنا قد اكتنفها الضعف البشري، كان يتضارب مع اعتقاده في الابن الإلهي الذي شارك أباه في قدرته القاهرة". (١)
ولعل هذا ما دعا الإنجيليين إلى تجاهل هذا الوصف الدقيق، بل إن يوحنا لم يذكر شيئًا عن معاناة المسيح وآلامه تلك الليلة، وذلك للسبب نفسه بالطبع.
ولنا أن نتساءل كيف عرف لوقا بنزول الملاك؟ وكيف شاهد عرقه وهو يتصبب منه على هذه الكيفية؛ كيف ذلك وجميع التلاميذ نيام كما وصفهم لوقا بعدها مباشرة بقوله: " ٤٥ ثُمَّ قَامَ مِنَ الصَّلَاةِ وَجَاءَ إِلَى تَلَامِيذ، فَوَجَدَهُمْ نِيَامًا مِنَ الْحُزْنِ." (لوقا ٢٢/ ٤٥)؛ كما أن المسيح لم يكن بجوارهم، فقد كان يصلي بعيدًا عنهم "٤١ وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى" (لوقا ٢٢/ ٤١).
٢ - ذكر الإنجيليون ضرب أحد التلاميذ لعبد رئيس الكهنة بالسيف، وأنه قطع أذنه، وتتكامل الروايات، فيذكر يوحنا أن اسم العبد ملخس، وأن الأذن هي اليمنى، فيما لم يحدد متى ومرقس اسم الضارب، كما لم يحددا الأذن المضروبة.
لكن أحدًا منهم - سوى لوقا الغائب حينذاك - لم يذكر أن المسيح أبرأ أذن العبد وردّها، وهي ولاشك معجزة كبيرة ستترك أثرًا في تلك الجموع الكافرة .. "٥١ فَأَجَابَ يَسُوعُ وقَال: "دَعُوا إِلَى هذَا! " وَلمَسَ أُذْنَهُ وَأَبْرَأَهَا." (لوقا ٢٢/ ٥١)، ولم يذكر لوقا أي ردة فعل للجند والجموع تجاه هذه المعجزة الباهرة. وكأن شيئًا لم يكن.
٣ - كما انفرد مرقس بواحدة أخرى، وهي: قصة الشاب الذي هرب من الشبان، فأمسكوا بإزاره الذي يلبسه على عري، فترك الإزار، وهرب منهم عريانًا (مرقس ١٤/ ٥١ - ٥٢).
٤ - وأيضًا انفرد يوحنا بأن المسيح طلب من الجند أن يدعوا تلاميذه يهربون. (انظر: يوحنا ١٨/ ٨) مع أن أحدًا لم يتعرض لتلاميذه، لكن يوحنا يريد بذلك أن يحقق نبوءة
(١) انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب (١٤٠ - ١٤٣)، وانظر حاشية النص في الترجمة العربية المشتركة.