البليغ، فكما أن الهادي يخبر السائر أين ينزل من الطريق؟ كذلك الشمس بتسببها في مقادير امتداد الظل تُعَرِّفُ المستدلَ بالظل بأوقات أعماله ليشرع فيها.
٢ - وتعدية (دليلًا) بحرف (على) تفيد أن دلالة الشمس على الظل هنا دلالة تنبيه على شيء قد يخفى كقول الشاعر: (إلا على دليل)، وشمل هذا حالتي المد والقبض.
٣ - وجملة {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا} عطف على جملة {مَدَّ الظِّلَّ} أو على جملة {جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}؛ لأن قبض الظل من آثار جعل الشمس دليلًا على الظل.
٤ - و (ثم) الثانية مثل الأولى مفيدة التراخي الرتبي؛ لأن مضمون جملة {قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أهم في الاعتبار بمضمونها من مضمون {جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}؛ إذ في القبض دلالة من دلالة الشمس هي عكس دلالتها على أمتداده، فكانت أعجب إذ هي عمل ضد للعمل الأول، وصدور الضدين من السبب الواحد أعجب من صدور أحدهما السابق في الذكر.
٥ - والقبض: ضد المد فهو مستعمل في معنى النقص أي: نقصنا امتداده والقبض هنا استعارة للنقص، وتعديته بقوله:(إلينا) تخييل شبه الظل بحبل أو ثوب طواه صاحبه بعد أن بسطه على طريقة المكنية، وحرف (إلى) ومجروره تخييل.
وموقع وصف القبض بـ (يسيرًا) هنا أريد أن هذا القبض يحصل ببطء دون طفرة فإن في التريث تسهيلًا لقبضه؛ لأن العمل المجزأ أيسر على النفوس من المجتمع غالبًا؛ فأطلق اليسر وأريد به لازم معناه عرفًا وهو التدريج ببطء على طريقة الكناية ليكون صالحًا لمعنى آخر سنتعرض إليه في آخر كلامنا، وتعدية القبض بـ (إلينا) لأنه ضد المد الذي أسند إلى اللَّه في قوله: {مَدَّ الظِّلَّ} وقد علم من معنى: {قَبَضْنَاهُ} أن هذا القبض وأقع بعد المد فهو متأخر عنه.
٦ - وفي مد الظل وقبضه نعمةُ معرفةِ أوقات النهار للصلوات وأعمال الناس ونعمة التناوب في انتفاع الجماعات والأقطار بفوائد شعاع الشمس وفوائد الفيء، بحيث إن الفريق الذي كان تحت الأشعة يتبرد بحلول الظل، والفريق الذي كان في الظل ينتفع