للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بانقباضه، هذا محل العبرة والمنة اللتين تتناولهما عقول الناس على اختلاف مداركهم.

٧ - ووراء ذلك عبرة علمية كبرى توضحها قواعد النظام الشمسي، وحركة الأرض حول الشمس، وظهور الظلمة والضياء، فليس الظل إلا أثر الظلمة؛ فإن الظلمة هي أصل كيفيات الأكوان ثم انبثق النور بالشمس، ونشأ عن تداول الظلمة والنور نظام الليل والنهار، وعن ذلك نظام الفصول، وخطوط الطول والعرض للكرة الأرضية وبها عرفت مناطق الحرارة والبرودة.

٨ - ومن وراء ذلك إشارة إلى أصل المخلوقات؛ كيف طرأ عليها الإيجاد بعد أن كانت عدمًا، وكيف يمتد وجودها في طور نمائها؟ ثم كيف تعود إلى العدم تدريجًا في طور انحطاطها إلى أن تصير إلى العدم؟ فذلك مما يشير إليه {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا}، فيكون قد حصل من التذكير بأحوال الظل في هذه الآية مع المنة، والدلالة على نظام القدرة تقريب لحالة إيجاد الناس، وأحوال الشباب وتقدم السن، وأنهم عقب ذلك صائرون إلى ربهم يوم البعث مصيرًا لا إحالة فيه ولا بعد كما يزعمون فلما صار قبض الظل مثلًا لمصير الناس إلى اللَّه بالبعث وصف القبض بـ (يسير) تلميحًا إلى قوله: {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}.

٩ - وفي هذا التمثيل إشارة إلى أن الحياة في الدنيا كظل يمتد وينقبض؛ وما هي إلا ظل، فهذان المحملان في الآية من معجزات القرآن العلمية (١).

قال القرطبي: فـ (الدليل) فعيل بمعنى: الفاعل، وقيل: بمعنى: المفعول كالقتيل والدهين والخضيب؛ أي: دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به، أي: أتبعناها إياه، فالشمس دليل أي: حجة وبرهان، وهو الذى يكشف المشكل ويوضحه، ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس لأنه في معنى الاسم، كما يقال: الشمس برهان والشمس حق، {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ} يريد ذلك الظل الممدود {إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} أي: يسيرًا قبضه علينا -وكل أمر


(١) التحرير والتنوير ١٠/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>