للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القوة والعقل والفهم، وتناقص الأحوال من الخَرَف وضعف الفكر؛ ولهذا قال: {لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا}، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (٥٤)} (الروم: ٥٤). وقال اللَّه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (١٢) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)} (المؤمنون: ١٢ - ١٦).

قال ابن كثير: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً} هذا الضمير عائد على جنس الإنسان، كما قال في الآية الأخرى: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)} (السجدة: ٧ - ٨) أي: ضعيف، كما قال: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (٢١)} يعني: الرحمُ مُعَد لذلك مهيأ له {إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣)} (المرسلات: ٢٢ - ٢٣) أي: إلى مدة معلومة وأجل معين حتى استحكم وتنَقَّل من حال إلى حال، وصفة إلى صفة؛ ولهذا قال هاهنا: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} أي: ثم صَيَّرنا النطفة وهي الماء الدافق الذي يخرج من صلب الرجل -وهو ظهره- وترائب المرأة -وهي عظام صدرها ما بين الترقوة إلى الثندوة- فصارت علقة حمراء على شكل العلقة مستطيلة. قال عكرمة: وهي دم.

{فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} وهي قطعة كالبَضعة من اللحم، لا شكل فيها ولا تخطيط، {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} يعني: شكلناها ذات رأس ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها. وقرأ آخرون: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} قال ابن عباس: وهو عظم الصلب.

وفي الصحيح عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنْ الْإِنْسَانِ شَيْءٌ إِلَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>