للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الرحم، أخذها ملك بكفه قال: يا رب، مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قيل: "غير مخلقة" لم تكن نسمة، وقذفتها الأرحام دمًا، وإن قيل: (مخلقة)، قال: أي رب، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ ما الأجل؟ وما الأثر؟ وبأي أرض يموت؟ قال: فيقال للنطفة: من ربك؟ فتقول: اللَّه. فيقال: من رازقك؟ فتقول: اللَّه. فيقال له: اذهب إلى الكتاب، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة. قال: فتخلق فتعيش في أجلها، وتأكل رزقها، وتطأ أثرها، حتى إذا جاء أجلها ماتت، فدفنت في ذلك المكان، ثم تلا عامر الشعبي: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة، فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دمًا، وإن كانت مخلقة نكست في الخلق (١).

وروى ابن أبي حاتم عن حذيفة بن أسيد -رضي اللَّه عنه- يبلغ به النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين؛ فيقول: أي رب، أشقي أم سعيد؟ فيقول اللَّه، ويكتبان. فيقول: أذكر أم أنثى؟ فيقول اللَّه، ويكتبان، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص" ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، ومن طرق أُخَرَ، عن أبي الطُّفَيل، بنحو معناه (٢).

وقوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} أي: ضعيفًا في بدنه، وسمعه، وبصره، وحواسه، وبطشه، وعقله، ثم يعطيه اللَّه القوة شيئًا فشيئًا، ويلطف به، ويحنن عليه والديه في آناء الليل وأطراف النهار؛ ولهذا قال: {ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ} أي: يتكامل القوى ويتزايد، ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المنظر، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى} أي: في حال شبابه وقواه، {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُر}، وهو الشيخوخة، والهَرَم، وضعف


(١) تفسير الطبري ١٧/ ١١٧.
(٢) رواه مسلم (٢٦٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>