للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} (النساء: ٨٢) (١).

{ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} أي: ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ}، ذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم المرأة مكثت أربعين يوما كذلك، يضاف إليه ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن اللَّه، فتمكث كذلك أربعين يومًا، ثم تستحيل فتصير مضغة -قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط- ثم يشرع قي التشكيل والتخطيط، فيصور منها رأس، ويدان، وصدر، وبطن، وفخذان، ورجلان، وسائر الأعضاء. فتارة تُسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط؛ ولهذا قال تعالى: {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} (الحج: ٥) أي: كما تشاهدونها، {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} أي: وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها، كما قال مجاهد في قوله تعالى: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قال: هو السقط مخلوق وغير مخلوق (٢).

فإذا مضى عليها أربعون يومًا وهي مضغة، أرسل اللَّه تعالى إليها ملكًا فنفخ فيها الروح، وسواها كما يشاء اللَّه عزَّ وجلَّ؛ من حسن وقبيح، وذكر وأنثى، وكتب رزقها، وأجلها، وشقي أو سعيد، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: حدثنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق-: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَة مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّه مَلكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ" (٣).

وروى ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه- قال: النطفة إذا استقرت


(١) حقائق الإسلام في رد شبهات المشككين صـ ٢٦٧: ٢٦٣.
(٢) تفسير الطبري ١٧/ ١١٧.
(٣) رواه البخاري (٣١٥٤)، ومسلم (٢٦٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>