٣ - ولكيلا يحدث لبس قال اللَّه تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ}(الحجر: ٢٦) أي: من حمأ مسنون من الصلصال، وبمقارنة هذه الآية بالآية (١٢) من سورة المؤمنون ندرك أن (الحمأ المسنون) مرادف أو بديل (السلالة من الطين) وأسلوب التعبير (. . من. . من. .) أسلوب شائع في اللغة العربية، ويقصد به التفسير والتفصيل، فيذكر المتكلم الشيء مجملًا أو كليًا، ثم يتبعه التخصيص أو الجزئي، تقول مثلًا: أنا آتٍ من القاهرة، من الروضة أي: من حي الروضة الذي هو جزء من القاهرة. هذا الأسلوب شائع وكثير الاستعمال في القرآن، من أمثلته ما يأتي:
في الآية (١٧٢) من سورة الأعراف: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: أخذ من بني آدم ذريتهم -أخذًا من مكان خاص في ظهورهم، وفي سورة الزخرف آية (٣٣): {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ} أي: لجعلنا لمن يكفر بالرحمن سقفًا من فضة هي لهم إجمالًا ولبيتهم تفصيلًا وتخصيصًا.
(الحمأ) سائل يتحرك بين حبيبات التربة الصلصالية، ومنه يتسلل الماء وبعض وبعض ما ذاب فيه إلى جذور النباتات أولًا حيث يتكون منه غذاء وحب وفواكه وثمار يأخذها الإنسان لبناء جسمه ولتعطيه الطاقة، أو يأخذها الحيوان أولًا ليكون منها اللبن والعسل، وما أحله اللَّه من مأكل وشراب للإنسان الذي تصنع به مادة جسمه وتطلق منه طاقة وحرارة.
من الواضح أن ذلك الأسلوب القرآني في التعليم والتعريف يضطر قارئ القرآن أن يتدبر المعاني ويعمل فكره ويتنقل بعقله في مخلوقات اللَّه وكونه ليصل بنفسه إلى ما يهديه إلى الحق، لهذا تتساءل آية قرآنية:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}(محمد: ٢٤).
وثمَّ أمر آخر وهو إنه لو أرجعنا الإنسان إلى عناصره الأولية لوجدناه أشبه بمنجم صغير يشترك في تركيبه حوالي (٢١) عنصرًا تتوزع بشكل رئيسي على:
١ - أكسجين (O)، هيدروجين (H) على شكل ماء بنسبة ٦٥% - ٧٠% من وزن الجسم.
٢ - كربون (C)، وهيدروجين (H)، وأكسجين (O)، وتشكل أساس المركبات العضوية من سكريات، ودسم، وبروتينات، وفيتامينات، وهرمونات أو خمائر.