للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحشر، ومنها مسخ القلب فيمسخ كما تمسخ الصورة؛ فيصير القلب على قلب الحيوان الذي شابهه في أخلاقه وأعماله وطبيعته، فمن القلوب ما يمسخ على قلب خنزير لشدة شبه صاحبه به، ومنها ما يمسخ على خلق كلب، أو حمار، أو حية، أو عقرب، وغير ذلك، وهذا تأويل سفيان بن عيينة في قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}؛ قال: منهم من يكون على أخلاق السباع العادية، ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب، وأخلاق الخنازير، وأخلاق الحمير، ومنهم من يتطوس في ثيابه لحمًا بتطوس الطاووس في ريشه، ومنهم من يكون بليدًا كالحمار، ومنهم من يؤثر على نفسه كالديك، ومنهم من يألف ويؤلف كالحمام، ومنهم الحقود كالجمل، ومنهم الذي هو خير كله كالغنم، ومنهم أشباه الذئاب، ومنهم أشباه الثعالب التي يروغ كروغانها، وقد شبه اللَّه تعالى أهل الجهل والغي بالحُمُر تارة، وبالكلب تارة، وبالأنعام تارة، وتقوى هذه المشابهة باطنًا حتى تظهر في الصورة الظاهرة ظهورًا خفيًا يراه المتفرسون، ويظهر في الأعمال ظهورًا يراه كل أحد، ولا يزال يقوى حتى تعلو الصورة فنقلب له الصورة بإذن اللَّه وهو المسخ التام؛ فيقلب اللَّه سبحانه وتعالى الصورة الظاهرة على صورة ذلك الحيوان كما فعل باليهود وأشباههم، ويفعل بقوم من هذه الأمة ويمسخ قردة وخنازير، فسبحان اللَّه! كم من قلب منكوس وصاحبه لا يشعر! وقلب ممسوخ! وقلب مخسوف به! وكم من مفتون بثناء الناس عليه ومغرور بستر اللَّه عليه ومستدرج بنعم اللَّه عليه! وكل هذه عقوبات وإهانة ويظن الجاهل أنها كرامة (١).

ثم علق ابن القيم قائلًا: واللَّه سبحان قد جعل بعض الدواب كسوبًا محتالًا، وبعضها متوكلًا غير محتال، وبعض الحشرات يدخر لنفسه قوت سنته، وبعضها يتكل على الثقة بأن له في كل يوم قدر كفايته رزقًا مضمونًا وأمر مقطوعًا، وبعضها لا يعرف ولده البتة،


(١) الجواب الكافي ١/ ٨٢، ٨٣؛ فصل ومن عقوباتها (المعاصي) أنها تزيل النعم الحاضرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>