للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعض الإناث تكفل ولدها لا تعدوه، وبعضها تضيع ولدها وتكفل ولد غيرها وبعضها لا تعرف ولدها إذا استغنى عنها، وبعضها يدخر، وبعضها لا تكسب له، وبعض المذكور يعول ولده، وبعضها لا تزال تعرفه وتعطف عليه، وجعل بعض الحيوانات يُتمها من قبل أمهاتها، وبعضها يُتمها من قبل آبائها، وبعضها لا يلتمس الولد، وبعضها يستفرغ الهم في طلبه، وبعضها يعرف الإحسان ويشكره، وبعضها ليس ذلك عنده شيئ، وبعضها يؤثر على نفسه وبعضها إذا ظفر بما يكفي أمه من جنسه لم يدع أحدًا يدنوا منه، وبعضها يألف بني آدم ويأنس بهم، وبعضها يستوحش منهم وينفر غاية النفار منه، وبعضها لا يأكل إلا الطيب، وبعضها لا يأكل إلا الخبائث، وبعضها يجمع بين الأمرين، وبعضها لا يؤذي إلا من بالغ في أذاها، وبعضها يؤذي من لا يؤذيها، وبعضهم حقود لا ينسَ الإساءة، وبعضها لا يذكرها البتة، وبعضها لا يغضب، وبعضها يشتد غضبه فلا يزال يسترضى حتى يرضى، وبعضها عنده علم ومعرفة بأمور دقيقة لا يهتدي إليها أكثر الناس، وبعضها لا معرفة له بشيء من ذلك البتة، وبعضها يستقبح القبيح وينفر منه، وبعضها الحسن والقبيح سواءٌ عنده، وبعضها يقبل التعليم بسرعة، وبعضها مع الطول، وبعضها لا يقبل ذلك بحال (١).

وفي المستطرف: فأثبت اللَّه المماثلة بيننا وبين البهائم وذلك إنما هو في الأخلاق خاصة؛ فليس أحد من الخلق إلا وفيه خلق من أخلاق البهائم، ولهذا تجد أخلاق الخلائق مختلفة. . . وعلى هذا النمط فليحترز العاقل من صحبة الأشرار، وأهل الغدر، ومَنْ لا وفاء لهم؛ فإنه إذا فعل ذلك سلم من مكائد الخلق وأراح قلبه وبدنه (٢).

قلت: فمن ينظر للصراع بين البشر على الدنيا، وما يحدث بينهم من قتل وتشريد وتعذيب يرى أن مبدأ البقاء للأقوى قد أصبح شعارًا لكثير من الناس حتى ولو لم يتكلموا به, ومن قبل كان منا من يظن أن هذا المبدأ مطبق في عالم الحيوان، فالآن أصبح واقعًا في عالم الإنسان.


(١) شفاء العليل ص ٧٧.
(٢) المستطرف ١/ ١٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>