يقين لا شك فيه- فصح بما ذكرنا أن لفظة التسبيح هي من الأسماء المشتركة وهي التي تقع على نوعين فصاعدًا، وأما السجود الذي ذكره اللَّه سبحانه وتعالى في قوله:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} فقد علمنا أن السجود المعهود عندنا في الشريعة واللغة هو وضع: الجبهة، واليدين، والركبتين، والرجلين، والأنف في الأرض بنية التقرب بذلك إلى اللَّه تعالى، وهذا ما لا يشك فيه مسلم، وكذلك نعلم ضرورة لا شك فيها أن الحمير، والهوام، والخشب، والحشيش، والكفار لا تفعل ذلك لا سيما من ليس له هذه الأعضاء وقد نص تعالى على صحة ما قلنا، وأخبر تعالى أن في الناس من لا يسجد له السجود المعهود عندنا بقوله تعالى: {وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (فصلت: ٣٧ - ٣٨).
فأخبر تعالى أن في الناس من يستكبر عن السجود له فلا يسجد وقال تعالى:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}(الرعد: ١٥)، فبين تعالى أن السجود كرهًا غير السجود بالطوع الذي هو السجود المعهود عندنا، وإذ قد أخبر اللَّه تعالى بهذا وصح أيضًا بالعيان؛ فقد علمنا بالضرورة أن السجود الذي أخبر اللَّه تعالى أنه يسجد له مَنْ في السموات والأرض هو غير السجود الذي يفعله المؤمنون طوعًا ويستكبر عنه بعض الناس ويمتنع منه أكثر الخلق هذا مما لا يشك فيه مُسلمٌ؛ فإذ هذا كذلك بلا شك فواجب علينا أن نطلب معنى هذا السجود ما هو؟ ففعلنا، فوجدناه مبينًا بلا إشكال في آيتين من كتاب اللَّه؛ وهما قوله تعالى:{وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨)} (النحل: ٤٨)، فبيَّن تعالى في هاتين الآيتين بيانًا لا إشكال فيه أن ميل الفيء والظل بالغدوات والعشيّات من كل ذي ظل هو معنى السجود المذكور في الآية لا السجود المعهود عندنا، وصح بهذا