للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصوم؛ فمن المعروف أن الحشرة تمر بمرحلة تتحوصل فيها ويمتنع الطعام، وحتى النبات أيضًا يصوم.

لقد لاحظ العلماء أن هذه المخلوقات تخرج بعد فترة الصيام هذه أكثر نشاطًا وحيوية، وأن أكثرها يزداد نموًا وصحة بعد الصوم، فالحيوانات منها ما يجدد جلده وقواه، والطائر يكتسي ريشًا جديدًا زاهيًا ويبدأ في التزاوج، والحشرة تخرج بعد صيامها لتأكل بنهم شديد وتتكاثر بسرعة، والنبات ينمو ويترعرع ويصبح أكثر نضجًا بعد فترة صيامه (١).

٢ - وهناك قول آخر: أن الكائنات لها عبودية بلسان الحال:

قال ابن عاشور: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} (الإسراء: ٤٤) فذلك بلسان الحال في العجماوات حين نراها بَهِجَة عند حصول ما يلائمها فنراها مرحة فرحة، وإنّما ذلك بما ساق اللَّه إليها من النعمة وهي لا تفقه أصلها ولكنّها تحسّ بأثرها فتبتهج؛ ولأنّ في كل نوع منها خصائص لها دلالة على عظيم قدرة اللَّه وعلمه تختلف عن بقية الأنواع من جنسه، والمقصد من هذا صرف الأفهام إلى الاعتبار بنظام الخلق الذي أودعه اللَّه في كلّ نوع (٢).

٣ - وقد يكون التسبيح غير التسبيح والسجود غير السجود:

قال ابن حزم: وليس في العالم شيء إلا وهو قال بما فيه من دلائل الصنعة واقتضائه صانعًا لا يشبه شيئًا مما خلق، على أن اللَّه تعالى منزه عن كل سوء ونقص، وأيضًا فإن اللَّه تعالى يقول: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ}، والكافر الدهري شيء لا يشك في أنه شيء وهو لا يسبح بحمد اللَّه تعالى البتة؛ فصح ضرورة أن الكافر يسبح إذ هو من جملة الأشياء التي تسبح بحمد اللَّه تعالى، وأن تسبيحه ليس هو قوله: سبحان اللَّه وبحمده بلا شك؛ ولكنه تنزيه اللَّه تعالى بدلائل خلقه وتركيبه عن أن يكون الخالق مشبها لشيء مما خلق -وهذا


(١) الطب الإسلامي بين العقيدة والإبداع (ص ٢٨).
(٢) التحرير والتنوير ٤/ ٤٢٥؛ (الأنعام: ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>