ابن القيم على هذا التفوق الخلقي لبعض الكائنات والتي بحاجة لأن يتعلمها بنو البشر فيقول: وكثير من العقلاء يتعلم من الحيوانات البهم أمورًا تنفعه في معاشه، وأخلاقه، وصناعته، وحربه، وحزمه، وصبره، وهداية الحيوان فوق هداية أكثر الناس قال تعالى:{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}، قال أبو جعفر الباقر: واللَّه ما اقتصر على تشبيهم بالأنعام حتى جعلهم أضل سبيلًا منها.
فمن هدى الأنثى من السباع إذا وضعت ولدها أن ترفعه في الهواء أيامًا تهرب به من الذر والنمل؛ لأنها تضعه كقطعة من لحم فهي تخاف عليه الذر والنمل، فلا تزال ترفعه وتضعه وتحوله من مكان إلى مكان حتى يشتد. وقال ابن الأعرابي: قيل لشيخ من قريش: من علمك هذا كله وإنما يعرف مثله أصحاب التجارب والتكسب؟ قال: علمني اللَّه الذي علَّم الحمامة تقلب بيضها حتى تعطي الوجهين جميعًا نصيبهما من حضانتها, ولخوف طباع الأرض على البيض إذا استمر على جانب واحد. وقيل لآخر: من علمك اللجاج في الحاجة والصبر عليها وإن استعصت حتى تظفر بها؟ قال: من علم الخنفساء إذا صعدت في الحائط تسقط ثم تصعد ثم تسقط مرارًا عديدة حتى تستمر صاعدة. وقيل لآخر: من علمك البكور في حوائجك أول النهار لا تخل به؟ قال: من علم الطير تغدو خماصًا كل بكرة في طلب أقواتها على قربها وبعدها لا تسأم ذلك ولا تخاف ما يعرض لها في الجو والأرض. وقيل لآخر: من علمك السكون والتحفظ والتماوت حتى تظفر بأربك، فإذا ظفرت به وثبت وثوب الأسد على فريسته؟ فقال: الذي علم السهر أن ترصد جحر الفأرة فلا تتحرك ولا تتلوى ولا تختلج كأنها ميتة حتى إذا برزت لها الفأرة وثبت عليها كالأسد. وقيل لآخر: من علمك الصبر والجلد والاحتمال وعدم السكون؟ قال: من علم أبا أيوب صبره على الأثقال والأعمال الثقيلة والمشي والتعب: الجمل وضربه، وكل الثقل على ظهره ومرارة الجوع والعطش في كبده وجهد التعب والمشقة ملأ جوارحه، ولا يعدل به ذلك عن الصبر. وقيل لآخر: من علمك حسن الإيثار والسماحة بالبذل؟ قال: من علم الديك يصادف الحبة في الأرض وهو يحتاج إليها فلا يأكلها بل