سماها القرآن بـ (أدنى الأرض) تبعد عن مكة أكثر من ألف ومئتي كيلو مترًا، فكيف تكون هذه الأرض هي (الأقرب) وهي تقع على هذه المسافة الكبيرة؟ وكيف يكون المسجد الأقصى هو (الأبعد) وهو يقع على نفس المسافة من مكة المكرمة حيث نزلت هذه الآيات؟
ثم تساءلتُ: لو أن اللَّه تعالى يقصد كلمة (أقرب) فلماذا لم يستخدم هذه الكلمة؟
إذن كلمة (أدنى) هي المقصودة، وهي الكلمة التي تعطي المعنى الدقيق والمطلوب، وهذا ما سنراه يقينًا.
رابعًا: معاني متعددة للكلمة:
نعلم أن اللَّه تعالى قد خلق سبع سماوات طباقًا، وسمى السماء السفلى أي: أخفض سماء سمَّاها (السماء الدنيا)؛ فقال: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)} (فصلت: ١٢) وهنا كلمة (الدنيا) جاءت بمعنى: الأقرب من الأرض، ولكن تتضمن معنى آخر وهو الطبقة السفلى بين طبقات السماء السبعة؛ وسُمِّيت بالدنيا لدنوِّها من الأرض.
ويقول أيضًا:{وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}(السجدة: ٢١)، ويفسر المفسرون كلمة (الأدنى) هنا بمصائب الدنيا وأمراضها، وهنا لا يمكن أن تكون (الأدنى) بمعنى: الأقرب بل (الأصغر)؛ لأن اللَّه تعالى يقارن في هذه الآية بين نوعين من أنواع العذاب:
١ - (الْعَذَابِ الْأَدْنَى)
٢ - (الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
إذن في هذه الآية نحن أمام مقياسين هما:(الأدنى) و (الأكبر)؛ أي: الأصغر والأكبر، كما نعبر عنه في مصطلحاتنا اليوم بالحدِّ الأدنى والحد الأعلى؛ ونقصد الأصغر والأكبر.