وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء على المسيحية. . .، فبدأوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة، ودمروا الكنائس، وأراقوا دماء ما يقرب من (١٠٠٠٠٠) من المسيحيين المسالمين، وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان، وأرغموا الناس على عبادة الشمس والنار، واغتصبوا الصليب المقدس، وأرسلوه إلى (المدائن). ويقول المؤرخ (جبن) في المجلد الخامس من كتابه: ولو كانت نوايا (كسرى) طيبة في حقيقة الأمر، لكان اصطلح مع الروم بعد قتلهم (فوكاس)، ولاستقبل (هرقل) كخير صديق أخذ بثأر حليفه وصاحب نعمته (موريس) بأحسن طريقة، ولكنه أبان عن نواياه الحقيقة عندما قرر مواصلة الحرب.
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه (كسرى) إلى (هرقل) من بيت المقدس قائلًا: "من لدن الإله كسرى، الذي هو أكبر الآلهة، وملك الأرض كلها، إلى عبده اللئيم الغافل هرقل: إنك تقول إنك تثق في إلهك، فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي؟ !
واستبد اليأس والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة، وقرر العودة إلى قصره الواقع في (قرطاجنة) على الساحل الإفريقي، فلم يعد يهمه أن يدافع عن الإمبراطورية، بل كان شغله الشاغل إنقاذ نفسه، وأرسلت السفن الملكية إلى البحر، وخرج (هرقل) في طريقه ليستقل إحدى هذه السفن إلى منفاه الاختياري، وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير الأساقفة الروم باسم الدين والمسيح، ونجح في إقناع (هرقل) بالبقاء، وذهب (هرقل) مع الأسقف إلى قربان (سانت صوفيا) يعاهد اللَّه تعالى على أنه لن يعيش أو يموت إلا مع الشعب الذي أختاره اللَّه له.
وبإشارة من الجنرال الإيراني (سين Sain) أرسل (هرقل) سفيرًا إلى (كسرى) طالبًا منه الصلح، ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلى القصر حتى صاح (كسرى) في غضب