شديد:"لا أريد هذا القاصد حتى يهجر إلهه الصليبي ويعبد الشمس آلهتنا".
وبعد مضي ستة أعوام على الحرب رضي الإمبراطور الفارسي أن يصالح هرقل على شروط معينة: هي أن يدفع ملك الروم "ألف تالنت من الذهب، وألف تالنت من الفضة، وألف ثوب من الحرير، وألف جواد، وألف فتاة عذراء".
ويصف (جبن) هذه الشروط بأنها "مخزية" دون شك، وكان من الممكن أن يقبلها (هرقل) لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة والمحدودة الأرجاء، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثورة كمحاولة أخيرة ضد أعدائه.
وبينما سيطرت على العاصمتين الفارسية، والرومية هذه الأحداث، فقد سيطرت على شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية -وهي (مكة) المكرمة- مشكلة مماثلة؛ كان الفرس مجوسًا من عباد الشمس والنار، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح، وبالوحي، وبالرسالة، وباللَّه تعالى، وكان المسلمون مع الروم -نفسيًا- يرجون غلبهم على الكفار والمشركين، كما كان كفار مكة مع الفرس لكونهم من عباد الظاهر المادية، وأصبح الصراع بين الفرس والروم رمزًا خارجيًا للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في (مكة)، وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي، فلما انتصر الفرس على الروم قرب البحر الميت عام (٦١٦ م)، واستولوا على جميع المناطق الشرقية من دولة الروم، انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين، قائلين: لقد غلب إخواننا على إخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد، وكان المسلمون بمكة في أضعف وأسوأ أحوالهم المادية، وفي تلك الحالة البائسة صدرت كلمات من لسان الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-: بسم اللَّه الرحمن الرحيم: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ