للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن تيمية: فأخبر أنه استوى إلى السماء وهي دخان؛ قيل: هو البخار الذي تصاعد من الماء الذي كان عليه العرش؛ فإن البخار نوع من الدخان (١).

فقد ذكرت الآية القرآنية التي هي عنوان هذا الباب أن الكون كان على شكل مادة دخانية في مرحلة نشوئه الأولى، وذلك في قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}، والمقصود بالسماء في هذه الآية هو الفضاء الذي امتلأ بالدخان الناتج عن الانفجار الكوني العظيم، وليست السماء التي ستتكون من هذا الدخان لاحقًا فلم يكن ثَمَّةَ سماء قبل ذلك، وقد أطلق العلماء على هذه السحابة من الجسيمات الأولية اسم الغبار الكوني، بينما سماها القرآن الدخان والتسمية القرآنية أدقُّ من تسمية العلماء؛ فالجسيمات الأولية أصغر من أن تكون غبارًا وحتى دخانًا، ولكن الدخان هو أصغر وأخف شيء يمكن أن تراه أعين البشر، ولا بد هنا من أن نسأل الذين لا يؤمنون باللَّه أو الذين لا يصدقون بأن هذا القرآن منزل من عند اللَّه السؤال التالي وهو: من أين جاء هذا النبي الأمي الذي عاش في أمة أمية بهذه الحقيقة الكبرى عن حال الكون عند بداية خلقه والتي ظلت مجهولة إلى أن كشفها اللَّه على أيدي خلقه في هذا الزمان فقط؟

إن هذه الحقيقة العلمية لم تذكرها الكتب المقدسة التي سبقت القرآن ممَّا يؤكد صدق هذا القرآن وصدق مَنْ أنزِلَ عليه وأنه مُنَزَّلٌ من لدن عليم خبير مطلع على جميع أسرار هذا الكون، وكيف لا وهو خالقه {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤)} (الملك: ١٤).

فالكون في الأصل كان كتلة واحدة ثم تحول إلى مادة دخانية ملأت الفراغ المحيط بها سماها القرآن الكريم الدخان، وهذا لا يحدث إلا نتيجة لانفجار هذه الكتلة المادية، وهذا الانفجار هو الذي جعل مادة الكون الأولية تتناثر وتندفع في كل اتجاه بقوة رهيبة محدثة التوسع الكوني الذي لا زلنا نشاهد أثره إلى هذه اللحظة، وممَّا يؤكد على أن مادة هذا الكون قد


(١) الصفدية (٢/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>