للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزمان، فسألوه عن لبثه في الأرض فقال: "أربعون يومًا؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قالوا: يا رسول اللَّه، فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره".

فإذا ثبت أن المكان الذي لا يتخلله الليل والنهار يقدر له قدره فبماذا نقدره؟

يرى بعض العلماء أنه يقدر بالزمن المعتدل، فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة، وكذلك النهار؛ لأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط، كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز، ويرى آخرون أنه يقدر بأقرب البلاد إلى هذا المكان مما يحدث فيه ليل ونهار في أثناء العام؛ لأنه لما تعذر اعتباره بنفس اعتبر بأقرب الأماكن شبهًا به وهو أقرب البلاد إليه التي يتخللها الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة، وهذا القول أرجح؛ لأنه أقوى تعليلًا وأقرب إلى الواقع، واللَّه أعلم (١).

٢ - قول اللَّه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} عام وشامل لكل من ألمت به الضرورة والعذر:

قال السرخسي: اعلم أن مِن شرط وجوب أداء المأمور به القدرة التي بها يتمكن المأمور من الأداء لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}، ولأن الواجب أداء ما هو عبادة، وذلك عبارة عن فعل يكتسبه العبد عن اختيار ليكون معظمًا فيه ربه فينال الثواب وذلك لا يتحقق بدون هذه القدرة، غير أنه لا يشترط وجودها وقت الأمر لصحة الأمر؛ لأنه لا يتأدى المأمور بالقدرة الموجودة وقت الأمر بحال (٢).

فهذا الحديث ليس خاصًا بالفترة التي فيها المسيح الدجال؛ بل في جميع الفترات التي لا يستطيع الإنسان التعرف فيها على المواقيت لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: ٢٨٦)، فكل ما لا يستطيع الإنسان فعله من أمر الشرع فإنه يفعل ما يقدر عليه.


(١) رسالة مواقيت الصلاة، وفي مجموع فتاواه، المجلد الثاني عشر.
(٢) أصول السرخسي (١/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>