للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} فنقول: كل نير يحصل في الجو العالى فهو مصباح لأهل الأرض إلا أن تلك المصابيح منها ما تبقى على وجه الدهر آمنة من التغير والفساد، ومنها ما لا يكون كذلك، وهي هذه الشهب التي يحدثها اللَّه تعالى، ويجعلها رجومًا للشياطين، وبهذا التقدير فقد زال الإشكال (١).

وقال الألوسي:

وإطلاق الرجوم على النجوم، وقولهم: رمي بالنجم يحتمل أن يكون مبنيًا على الظاهر للرائي، كما في قوله تعالى في الشمس: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} وهذه الشهب ليست هي الثوابت، وإلا لظهر نقصان كبير في أعدادها، بل هي جنس آخر غيرها يحدثها اللَّه تعالى، ويجعلها رجومًا للشياطين، ولا يأباه قوله تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} حيث أفاد أن تلك المصابيح هي الرجوم بأعيانها؛ لأنا نقول: كل نير يحصل في الجو العالى فهو مصباح لأهل الأرض، والشهب من هذا القسم، وحينئذ يزول الإشكال (٢).

وقال أيضًا: {وشِهَابٌ} هو في الأصل الشعلة الساطعة من النار الموقدة، والمراد به العارض المعروف في الجو الذي يرى كأنه كوكب منقض من السماء {ثَاقِبٌ} مضيء، كما قال الحسن وقتادة كأنه ثقب الجو بضوئه، وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم؛ عن يزيد الرقاضي أنه قال: يثقب الشيطان حتى يخرج من الجانب الآخر. فذكر ذلك لأبب مجلز فقال: ليس ذاك؛ ولكن ثقوبه ضوؤه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {الثَّاقِبُ} المتوقد وهو قريب مما تقدم. وأخرج عن السدي {الثَّاقِبُ} المحرق.

وليست الشهب نفس الكواكب التي زينت بها السماء فإنها لا تنقض وإلا لانتقصت زينة السماء بل لم تبق، على أن المنقض إن كان نفس الكواكب بمعنى أنه ينقلع عن مركزه


(١) مفاتيح الغيب ١٣/ ١٠٦.
(٢) روح المعاني ٩/ ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>