للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال فيه الترمذي: حديث حسن صحيح. وفيه عن ابن عباس: (ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم في جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون) قال: هذا حديث حسن صحيح. والخطف: أخذ الشيء بسرعة؛ يقال: خَطَفَ، وخَطِفَ، وخَطَّف، وخَطِّف، وخِطِّف، والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها، وفتحت الخاء؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها، ومن كسرها فلالتقاء الساكنين، ومن كسر الطاء أتبع الكسرَ الكسرَ.

قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} أي: مضيء؛ قاله الضحاك، والحسن، وغيرهما. وقيل: المراد كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر. وقال ابن عباس في الشهب: تحرقهم من غير موت. وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت؛ يدل على ذلك رؤية حركاتها، والثابتة تجري ولا ترى حركاتها لبعدها، وقد مضى هذا. وجمع شهاب: شهب، والقياس في القليل أشهبة وإن لم يُسمع من العرب، و {ثَاقِبٌ} معناه: مضيء؛ قاله الحسن، ومجاهد، وأبو مجلز، ومنه قوله: وزندك أثقب أزنادها، أي: أضوأ، وحكى الأخفش في الجمع: شُهُبٌ ثُقُبٌ وثواقب وثقاب، وحكى الكسائي: ثقبت النار تثقب ثقابةً وثقوبًا إذا اتقدت، وأثقبتها أنا. وقال زيد بن أسلم في الثاقب: إنه المستوقد؛ من قولهم: أثقب زندك أي: استوقد نارك؛ قال الأخفش؛ وأنشد قول الشاعر:

بينما المرء شهاب ثاقب ... ضرب الدهر سناه فخمد (١)

قلت: وهناك حديث يوضح ما قاله القرطبي:

قال: انطلق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا بين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب! قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث؛ فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي


(١) الجامع لأحكام القرآن ١/ ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>