٢ - كما أن دلالة الغيض على النضوب والذهاب تتوافق أيضًا مع ما يحدث في التجاويف العديدة الممتلئة بالسوائل والدماء التي تحيط بالجنين كتجويف السلي، والتجويف الكربوني، والتجمعات الدموية في المسافات البينية للزغابات، والتي تجعل الجنين يحيا في محيط مائي أشبه بالبرك أو البحيرات المقفلة، حيث يحدث عند هلاك الجنين توقف التحكم الهرموني لبطانة الرحم وما فيه من أوعية دموية وغدد وأنسجة؛ فتنضب إفرازات الغدد وتقفل الأوعية الدموية للأم وتتخثر الدماء في الفجوات وبين الزغابات؛ فتجف وتذهب وتنضب هذه البحيرات داخل بطانة الرحم وفي تجويفه حول الجنين، وبهذا يكون إسناد الغيض للأرحام إسنادًا حقيقيًا.
٣ - دلالة الغيض على الاحتباس مع النقص: تتوافق مع ما يحدث لبعض الأجنة حين تهلك ولا تسقط بل تحبس داخل بطانة الرحم، وقد تمكث فترة طويلة ينكمش فيها الجنين ويتهتك مع جفاف معظم السوائل الداخلية والخارجية حوله فينكمش الرحم ويقل وزنه وحجمه؛ كما يحدث هذا في بعض صور الإجهاض المخفي، وبهذا يكون تعبير الغيض أشمل وأدق دلالة من معنى السقط إذا يشمل الدلالة على الجنين الذي يغور وتختفي آثاره من داخل الرحم، والدلالة على سقوط الجنين الذي يلفظه الرحم وعلى الأحداث التي تصاحبه مما يؤكد أيضًا أن إسناد الغيض للأرحام إسناد حقيقي.
علماء الإسلام يقرون هذه الحقيقة قبل اكتشاف الأجهزة الحديثة:
لقد أشار ابن عطية الأندلسي منذ عدة قرون إلى الأجنة المتلاشية في الأرحام فقال مفسرًا الغيض: بأنه زوال شيء من الرحم وذهابه، كما أن صاحب كتاب المفردات في غريب القرآن وصفه بوضوح في قوله الذي تفسده الأرحام فتجعله كالماء الذي تبتلعه الأرض، وللَّه در الشيخ السعدي الذي فسر الغيض بالسقط بصورتيه، وكأنه طالع أحوال الأجنة الهالكة في أحدث المراجع العلمية قال:(وما تغيض الأرحام) أي: تنقص مما فيها