والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال فلا ينظر إلى نقص البداية ولكن ينظر إلى كمال النهاية، وإذا ابتلى العبد بالذنب وقد علم أنه سيتوب منه ويتجنبه ففي ذلك من حكمة الله ورحمته بعبده أن ذلك يزيده عبودية وتواضعا وخشوعا وذلا ورغبة في كثرة الأعمال الصالحة ونفرة قوية عن السيئات فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين"، وذلك أيضًا يدفع عنه العجب والخيلاء ونحو ذلك مما يعرض للإنسان وهو أيضًا يوجب الرحمة لخلق الله ورجاء التوبة والرحمة لهم إذا أذنبوا وترغيبهم في التوبة.
وهو أيضًا يبين من فضل الله وإحسانه وكرمه ما لا يحصل بدون ذلك كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم، وهو أيضًا يبين قوة حاجة العبد إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه في أن يستعمله في طاعته ويجنبه معصيته وأنه لا يملك ذلك إلا بفضل الله عليه وإعانته له فإن من ذاق مرارة الابتلاء وعجزه عن دفعه إلا بفضل الله ورحمته كان شهود قلبه وفقره إلى ربه واحتياجه إليه في أن يعينه على طاعته ويجنبه معصيته أعظم ممن لم يكن كذلك.
ولو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه، ولهذا تجد التائب الصادق أثبت على الطاعة وأرغب فيها وأشد حذرا من الذَّنْبَ من كثير من الذين لم يبتلوا بذنب، وقد تكون التوبة موجبة له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله تائبا من الذَّنْبَ (١).
فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصا بما كان من الذَّنْبَ الذي تاب منه وقد صار بعد التوبة خيرًا مما كان قبل التوبة فهو جاهل بدين الله تعالى وما بعث الله به رسوله، ولسنا نقول إن كل من أذنب وتاب فهو أفضل ممن لم يذنب ذلك الذَّنْبَ بل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس فمن الناس من يكون بعد التوبة أفضل ومنهم من يعود إلى ما كان ومنهم من لا يعود إلى مثل حاله والأصناف الثلاثة فيهم من هو أفضل ممن لم يذنب