للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناشئة؛ يبدل هذه الفطرة ويكدرها ويلقي عليها غشاوة فلا تتجه إلى الحقيقة.

وشياطين الإنس والجن يقومون بدور كبير في إفساد الفطرة وتدنيسها.

وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَال ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَني يَوْمِي هَذَا، كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حَلَالٌ، وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالتهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنزِلْ بِهِ سُلْطَانًا" (١).

إذًا فالإقرار بوجود الله تعالى أمر فطري، فالعلم الإلهي فطري ضروري وأنه أشد رسوخًا في النفوس من مبدأ العلم الرياضي كقولنا: إن الواحد نصف الاثنين ومبدأ العلم الطبيعي كقولنا: إن الجسم لا يكون في مكانين، لأن هذه المعارف أسماء قد تعرض عنها أكثر الفطر، وأما العلم الإلهي: فما يتصور أن تعرض عنه فطرة (٢).

فالقلوب مفطورة على الإقرار بالله تصديقًا به ودينًا له، لكن يعرض لها ما يفسدها، ومعرفة الحق تقتضي محبته، ومعرفة الباطل تقتضي بغضه؛ لما في الفطرة من حب الحق وبغض الباطل، لكن قد يعرض لها ما يفسدها إما من الشبهات التي تصدها عن التصديق بالحق، وإما من الشهوات التي تصدها عن اتباعه.

ولهذا أمرنا الله أن نقول في الصلاة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} [الفاتحة: ٦، ٧] (الفاتحة ٦: ٧). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون" لأن اليهود يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم؛ ولا يتبعونه لما فيهم من الكبر والحسد الذي يوجب بغض الحق ومعاداته. والنصارى لهم عبادة وفي قلوبهم رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها لكن بلا علم فهم ضُلَّال. هؤلاء لهم معرفة بلا قصد صحيح وهؤلاء لهم قصد في الخير بلا معرفة له وينضم إلى ذلك الظن واتباع الهوى؛


(١) مسلم (٢٨٦٥).
(٢) مجموع فتاوى ابن تيمية (٢/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>