للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلا يبقى في الحقيقة معرفة نافعة؛ ولا قصد نافع بل يكون كما قال تعالى عن مشركي أهل الكتاب: {وَقَالوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)} (الملك: ١٠).

وقال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (١٧٩)} (الأعراف: ١٧٩) (١).

فإن قيل: إذا كانت معرفته والإقرار به ثابتًا في كل فطرة فكيف ينكر ذلك كثير من النظار - نظار المسلمين - وغيرهم وهم يدعون أنهم الذين يقيمون الأدلة العقلية على المطالب الإلهية؟ !

فيقال أولًا: أول من عرف في الإسلام بإنكار هذه المعرفة هم أهل الكلام الذين اتفق السلف على ذمهم؛ من الجهمية والقدرية، وهم عند سلف الأمة من أضل الطوائف وأجهلهم. ولكن انتشر كثير من أصولهم في المتأخرين الذين يوافقون السلف على كثير مما خالفهم فيه سلفهم الجهمية.

فصار بعض الناس يظن أن هذا قول صدر في الأصل عن علماء المسلمين؛ وليس كذلك إنما صدر أولًا عمن ذمه أئمة الدين وعلماء المسلمين.

الثاني: أنَّ الإنسان قد يقوم بنفسه من العلوم والإرادات وغيرها من الصفات ما لا يعلم أنه قائم بنفسه فإن قيام الصفة بالنفس غير شعور صاحبها بأنها قامت به. فوجود الشيء في الإنسان وغيره غير علم الإنسان به (٢).

فمعرفة الخالق سبحانه فطرية، وإنما تكون نظرية عند من فسدت فطرته فاحتاج إلى النظرة والبرهان.

ومن المعلوم بالاضطرار من دين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يوجب هذا النظر على الأمة، ولا أمرهم به، بل ولا سلكه هو ولا أحد من سلف الأمة في تحصيل هذه المعرفة، ولو كان


(١) فتاوى ابن تيمية (٧/ ٥٢٨)، فتح الباري (٣/ ٢٤٨)، درء تعارض العقل والنقل (٢/ ٣٧٥).
(٢) فتاوى ابن تيمية (١٦/ ٢٣٠ - ٣٤٨)، درء تعارض العقل والنقل (١/ ٣٩ - ٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>