في التشريع الجنائي ووضع العقوبات المناسبة لأفعال الناس التي تضر بالأنفس والأموال والأعراض وغيرها حيث أضفت الشريعة على هذه العقوبات ألوانًا من السماحة واليسر بحيث تتقبلها النفس الإنسانية في كل أحوالها.
ويمكن أن نبين هذه السماحة والسعة من خلال بيان عقوبتين فقط وهما:
أ) عقوبة قتل النفس: إن قتل النفس بغير حق يعد من أكبر الجرائم وأعظمها عند الله تعالى، يقول الله عز وجل: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (١٥١)} (الأنعام: ١٥١).
وقد جعل الله تعالى قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعًا وإحياء نفس بمثابة إحياء الناس جميعًا، يقول الله تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا}(المائدة: ٣٢).
ويقول - صلى الله عليه وسلم -: "لَزَوَال الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ"(١).
فقتل النفس فعلٌ شنيعٌ وجريمة عظمى، وكان حكم الله في القتل أن يقتل القاتل قصاصًا. قال تعالى:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}(المائدة: ٤٥).
ونستطيع أن نظهر يسر الإسلام وسماحته في تطبيق العقوبة على القاتل من خلال الآتي:
١) لا يؤخذ أحد بجريرة أحد، أي أنه لا يعاقب إلا القاتل نفسه، وليس لأهله وذريته وقبيلته شأن في فعله وتطبيق العقوبة عليه، بدون تعسف أو تعد، بخلاف ما كانت عليه الجاهلية، حيث كان يقتل بالرجل الواحد أكثر من رجل، فنجد في القرآن الكريم قوله تعالى:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا}(الإسراء: ٣٣).
٢) ولكن من يسر الإسلام وسماحته أن جعل المجال مفتوحًا أمام ولي أمر المقتول
(١) الترمذي (١٣٩٥)، النسائي (٧/ ٨٢)، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٠٧٧).