للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُعْسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنْ المُوسِرِ، قَال: فتَجَاوزُوا عَنْهُ" (١).

وهذا دليل على أن السماحة اشتملت أمورًا كثيرة منها المجال الاقتصادي في البيع والشراء وهو أمر يتجدد يوميًا، مما يفصح أن التسامح ليس من الأمور النادرة بل يتجدد كل حينٍ.

ثالثا: السماحة في درء الحدود: ينعق المعادون للإسلام بأن الحدود في الإسلام فيها شدة وهدر للدماء وتخلّف في تنمية الموارد البشرية، فليعلم هؤلاء أن إقامة الحدود الشرعية لا تنفذ إلا في نطاق محدود، فقد يظن بعض الناس أن إقامة الحدود في الإسلام كإقامة الصلاة في كثرتها، والحق أن أحكام الشريعة الإسلامية تعد بالمئات لكن عدد الحدود التي تقام هي سبعة: الحرابة (قطع الطريق)، والردة، والبغي، والزنا، والقذف، والسرقة، وشرب الخمر، وإذا نفذت فإنه لا يمكن ذلك إلا بعد مراحل وشروط (٢).

وهذا من تمام حكمة الله تعالى ورحمته أنه لم يأخذ الجناة بغير حجة، كما لم يعذبهم في الآخرة إلا بعد إقامة الحجة عليهم، وجعل الحجة التي يأخذهم بها، إما منهم وهي الإقرار، أو ما يقوم مقامه من إقرار الحال وهو أبلغ وأصدق من إقرار اللسان ... وإما أن تكون الحجة من خارج عنهم، وهي البينة، واشترط فيها العدالة، وعدم التهمة، فلا أحسن في العقول والفطر من ذلك، ولو طلب منا الاقتراح لم تقترح أحسن من ذلك، ولا أوفق منه للمصلحة (٣).

وها هي أمثلة تبين هذا الأمر وتوضحه، فعلى قلة تنفيذ الحد لهذه الجريمة فإنه منذ أن نزل حد الزنا لم نسمع في تاريخ أمة الإسلام أن أُقيم حد الزنا بتوافر أربعة شهود، وكذلك لم تحد امرأة حتى لو تمت عليها الشهادة كما في الملاعنة إذا لم تقر بهذه الجريمة فقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم الحد على المرأة في قصة الملاعنة وذلك: أَنَّ هِلَال بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ، فَقَال النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: الْبَيِّنَةَ أَوْ حَدٌّ فِي ظهْرِكَ، فَقَال: يَا رَسُولَ الله، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلًا يَنْطَلِقُ يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ؟ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: الْبَيِّنَةَ أو حَدٌّ


(١) البخاري (٢٠٧٧)، مسلم (١٥٦٠).
(٢) سماحة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين/ تأليف: حكمت بن بشير بن ياسين.
(٣) إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن القيم (٢/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>