للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعندما ردّه أبوه ردًا سيئًا بقوله: {قَال أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦)} قال له - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧)} [مريم: ٤٦ - ٤٧]. وهذه أيضًا من صفات المؤمنين، يقول الحافظ ابن كثير في تفسيره: فعندها قال إبراهيم لأبيه: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} كما قال - تعالى - في صفة المؤمنين: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالوا سَلَامًا} (الفرقان: ٦٣)، وقال - تعالى - عنهم: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالوا لَنَا أَعْمَالنَا وَلَكُمْ أَعْمَالكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (٥٥)} (القصص: ٥٥).

ومعنى قول إبراهيم: {سَلَامٌ عَلَيْكَ}: أما أنا فلا ينالك مني مكروه ولا أذى، وذلك لحرمة الأبوة (١).

ونموذج آخر من رسل الله - عليهم السلام - هو نبي الله موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مع الطاغية فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية: {فَقَال أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (النازعات: ٢٤). وقال: {وَقَال فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} (القصص: ٣٨)، حيث أمره - سبحانه وتعالى - هو وأخاه هارون بتليين القول لفرعون: {اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (٤٢) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (٤٣) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)} [طه: ٤٢ - ٤٤]، ولذا وجدنا موسى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حين ذهب إلى فرعون الطاغية قال له: {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (١٩)} [النازعات: ١٨، ١٩].

ويذكر في هذا المقام قصة الرجل الذي دخل على المأمون الخليفة العباسي رحمه الله، فأغلظ له القول في الدعوة والموعظة، فقال له المأمون وكان على علم وفقه: يا هذا، إن الله بعث من هو خير منك إلى من هو شر مني، وأمره بالرفق، بعث نبي الله موسى وهارون - عليهما السلام - وهما خير منك إلى فرعون وهو شر منى، وقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (٤٤)} فخصمه وحجه فأفحمه! ! !


(١) انظر تفسير ابن كثير، مريم: ٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>