للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن إسحاق فقد قال: "مع المؤمنين" وهو أجود، ولعل ما في كتاب الأموال مصحّف، وقد كفلت المادة (أو البند) رقم ٢٥ لليهود حريتهم الدينية، كما حددت مسئولية الجرائم وحصرتها في مرتكبها (إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ - أي لا يهلك - إلا نفسه وأهل بيته) فالمجرم ينال عقابه وإن كان من المتعاهدين (لا يحول الكتاب دون ظالم ولا آثم) ... كما أن المعاهدة امتدت بموجب البند رقم ٤٥ لتشمل حلفاء المسلمين وحلفاء اليهود من القبائل الأخرى، إذ شرطت المادة على كل طرف مصالحة حلفاء الطرف الآخر لكن المسلمين استثنوا قريشًا" إلا من حارب في الدين" لأنهم كانوا في حالة حرب معهم (١).

١٢ - (من صور السماحة) - كما نرى تسامحه مع أهل الكتاب من الذين يعادون ويخالفون فيما يفتي، إذ يتكلمون فيه ويبلغه ذلك أخرج مسلم بسنده عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم، لم يؤاكلوها ولم يجامعوهن في البيوت، فسال أصحاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} إلى آخر الآية فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"، فبلغ ذلك اليهود فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول: كذا وكذا، فلا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ظَنَنَّا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل في آثارهما، فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما (٢).

١٣ - بل نجد سماحته مع لبيد بن الأعصم الذي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشط ومشاطة وجف طلع نخل ذكر في بئر روان، وحينما أخبر عائشة بذلك قالت له: أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني، فكرهت أن أثير على الناس فيه شرًّا، فأمر بها فدفنت.

المشاطة وما يخرج من الشعر إذا مشط، والمشاط من مشاطة الكتان (٣).


(١) المجتمع المدني في عهد النبوة ص ١٢٧، ١٢٨.
(٢) مسلم (٣٠٢).
(٣) البخاري (٥٧٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>