إن الله الذي يصون الحق لم يهمل العالم، وحكم على الظالمين ولم يرحمهم لتجرئهم عليه، وردهم إلى يد الإسماعيليين - (العرب المسلمين) - ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة في مصر. وكان هرقل حزينًا. وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مدينة مصر وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم. مرض هرقل ومات. وكان عمرو بن العاص يقوى كل يوم في عمله، ويأخذ الضرائب التي حددها، ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس، ولم يرتكب شيئًا ما سلبًا أو نهبًا وحافظ على -الكنائس- طوال الأيام (١).
إنها شهادة شاهد عيان نصراني على هذه السماحة الإسلامية التي تجسدت على أرض الواقع ومتى؟ قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان! وهي سماحة نابعة من الدين الإسلامي. وليست كحقوق المواطنة التي لم تعرفها المجتمعات العلمانية إلا على أنقاض الدين، وبعد ما استقبل عمرو بن العاص البطريرك القبطي "بنيامين" وأمنه على نفسه، وكنائسه، ورعيته، وحرية عقيدته، بل وطلب منه أن يدعو له: أخذ "بنيامين" في زيارة كنائسه، وفي إعادة افتتاحها، وكان الناس يستقبلونه فرحين مرددين العبارات التي تشهد على أن هذا الفتح الإسلامي إنما هو عقاب إلهي للرومان جزاء الظلم الذي أوقعوه بالنصارى المصريين.
وعن هذه الحقيقة من حقائق سماحة التحرير الإسلامي لشعوب الشرق يقول الأسقف "يوحنا النقيوسي" في أقدم تأريخ للفتح الإسلامي لمصر كتبه شاهد عيان:
ويدخل الأنبا بنيامين بطريرك المصريين مدينة الإسكندرية بعد هروبه من الروم في العام ١٣ (أي العام الثالث عشر من تاريخ هروبه)، وسار إلى كنائسه، وزارها كلها، وكان الناس يقولون: هذا النفي، وانتصار الإسلام كان بسبب ظلم هرقل الملك، وبسبب اضطهاد الأرثوذكسيين على يد البابا كيرس البطريرك المعين من قبل الدولة الرومانية في
(١) تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي؛ رؤية قبطية للفتح الإسلامي صـ ٢٠١ - ٢٢٠، ترجمة ودراسة د/ عمر صابر عبد الجليل.