للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن شعر امرئ القيس هذا:

قف بالديار وقوف حابس ... وتأن إنك غير آيس

لعبت بهن العاصفات ... الرائحات من الروامس

ماذا عليك من الوقوف ... بهالك الطللين دارس

فلو قلنا: إن الأبيات التي توافق سورة القمر ليست من شعر الإسلاميين فلنقل إنها لهذا الشاعر، ونَظَمَ تلك الأبيات واقتبس فيها من القرآن الكريم حبًا في كلام الله أن يضع منه في قصائده وليس كفرًا منه أو تحديًا.

فالجزم أن امرأ القيس الشاعر الجاهلي المشهور، الذي بُعِثَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد موته بما يصل إلى سبعين سنة (١)، هو صاحب تلك الأبيات افتراء لا مرية في ذلك.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - باعتراف خصومه: كما ولد أميا نشأ أميًا وعاش أميًا فما كان يتلو من قبل القرآن من كتاب ولا يخطه بيمينه فكيف يأخذ من شعر السابقين؟ فلا بد أن يكون المعلم له حيا يعلمه عن طريق التلقين لا عن طريق الكتابة والتدوين فمن هو ذلك المعلم؟ سَمُّوهُ لَنَا.

يقول دراز - ردا على من قال أنه يُعلِّمه بشر -:

يقال له كما قيل للذين يخلقون لله شركاء لا وجود لهم في الخيال والوهم {قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: ٣٣]

بل نقول هل ولد هذا النبي في المريخ، أو نشأ في مكان قصي عن العالم فلم يهبط على قومه إلا بعد أن بلغ أشده واستوى ثم كانوا بعد ذلك لا يرونه إلا لمامًا؟ ألم يولد في حجورهم؟ ألم يكن يمشي بين أظهرهم ويصبحهم ويمسيهم؟ ألم يكونوا يرونه بأعينهم في حله ورحيله؟ {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٦٩)} [المؤمنون: ٦٩]. طوعت لهم أنفسهم أن يقولوا {إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل: ١٠٣]، ولكن هل تراهم كانوا في هذه الكلمة جادين؟ كان كل


(١) مات امرؤ القيس سنة ثمانين قبل الهجرة (انظر: الأعلام للزركلي).

<<  <  ج: ص:  >  >>