للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يُعلم لورقة بن نوفل كلمة واحدة في الدفاع عن النصرانية، ولا عن رجالها، ولا في الدعوة إليها، ولا في ترغيب أحد فيها، وهذا يدل على أنه لا علاقة بينه وبينها ولا صلة له بها ولا برجالها، ولا بالبلدان التي تنتشر فيها هذه الديانة الغريبة عنه وعن أسرته وعشيرته، وبلده، وقومه القرشيين. ولا رأوا له مكانًا يرتاده يُشبه معابد النصارى، لا في بيته الذي كان يقع تحت أنظار عموم الناس من أهل مكة وغيرهم غربي الكعبة بينه وبينها تسعة أذرع، تفيء الكعبة على دارهم بالضحى، وتفيء دارهم على الكعبة بالعشي، حتى إن الدوحة التي كانت في دارهم ربما تعلّق بعض أفنانها بأثواب بعض الطائفيين بالكعبة لقرب دارهم منها (١). ولا رأوا له شيئًا من ذلك - أيضًا - في بلده مكة؛ لا في جبالها، ولا في كهوفها مع سعتها وكبر مساحتها، وتوفر كل ذلك فيها لو أراد عمل شيء منه (٢).

رابعًا: ويجيبون عن رواية (استحكم في النصرانية)، يقول الدكتور المطرفي:

إنها مردودة من وجهين:

١ - أنها لم تثبت بإسناد صحيح، بل لم يذكر ابن إسحاق في السيرة لها أصلًا.

٢ - على فرض أن ورقة بن نوفل استحكم في النصرانية فليس معنى استحكامه فيها أنه قد دان بها، بل معناه أنه علمها حق العلم بها، وعرف حقائقها، وأسرارها وتاريخها بأخذ كُتبها من أهلها.

وإن لم يفعل ذلك لقيل - جدلًا -: إنه لم يطلع حق الاطلاع على النصرانية، بل إنه هو قد تحدثه نفسه بأن النصرانية المعاصرة له قد تكون على شيء من التوحيد الذي يبحث عنه هو، وزملاؤه الآخرون، ولكنه لرجاحة عقله، وقوة فهمه وحسن تبصّره في أمره، وتحققه في بحثه عن الحنيفية ملة أبيه إبراهيم حصل على كتب أهل الكتاب من أهلها، فرأى - بلا ريب - أن النصرانية ليست على شيء من دين إبراهيم دين التوحيد الخالص لله تعالى، فهل يعقل أن يُقال: إن ورقة بن نوفل بعد اطلاعه على كتب النصرانية تلك وتحققه مما فيها من


(١) أخبار مكة للفاكهي (٣/ ٣٠٧).
(٢) ورقة بن نوفل في بطنان الجنة (٦٦)؛ صادر عن رابطة العالم الإسلامي.

<<  <  ج: ص:  >  >>