للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن عبد البر: وإنما حل مصحف عثمان - رضي الله عنه - هذا المحل؛ لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه، ويبين لك هذا أن من دفع شيئًا ممن في مصحف عثمان كفر ومن دفع ما جاء في هذه الآثار وشبهها من القراءات لم يكفر.

القول الثاني: قال أصحابه إنها حجة، تثبت بها الأحكام وتعامل معاملة خبر الواحد، ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة والشافعي في رواية البويطي، وبعض المالكية ورجحه الشوكاني في إرشاد الفحول (١).

قال ابن النجار الحنبلي في أثناء كلامه عن القرآن: وما صح منه أي مما لم يتواتر حجة عند أحمد وأبي حنيفة والشافعي فيما حكاه عنه البويطي في باب الرضاع وفي تحريم الجمع، وعليه أكثر أصحابه (٢). وقالوا لأنه إما قرآن، أو خبر، وكلاهما موجب للعمل (٣).

قال ابن قدامة: فأما ما نقل نقلًا غير متواتر كقراءة ابن مسعود - رضي الله عنه - (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتابِعَات) فقد قال قوم ليس بحجة؛ لأنه خطأ قطعًا؛ لأنه واجب على الرسول - صلى الله عليه وسلم - تبليغ القرآن طائفة من الأمة تقوم الحجة بقولهم، وليس له مناجاة الواحد به، وإن لم ينقله على أنه من القرآن احتمل أن يكون مذهبًا، واحتمل أن يكون خبرًا ومع التردد لا يعمل به، والصحيح أنه حجة، لأنه يخبر أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن قرآنًا فهو خبر، فإنه ربما سمع الشيء من النبي - صلى الله عليه وسلم - تفسيرًا فظنه قرآنًا، ففي الجملة لا يخرج عن كونه مسموعًا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ومرويًا عنه فيكون حجة كيف ما كان، وقولهم: يجوز أن يكون مذهبًا له؟ قلنا: لا يجوز ظن مثل هذا بالصحابة - رضي الله عنهم -، فإن هذا افتراء على الله تعالى وكذب عظيم؛ إذ جعل رأيه ومذهبه الذي ليس هو عن الله تعالى ولا عن رسوله قرآنًا، والصحابة - رضي الله عنهم - لا يجوز


(١) إرشاد الفحول (٣١).
(٢) وهذا موافق لما قاله الإسنوي.
(٣) شرح الكوكب المنير (٢/ ١٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>