للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: "قال الله - عز وجل -: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل؛ فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجدني عبدي" وقال مرة: "فوض إليّ عبدي، وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، وإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل" والله أعلم. (١)

وقال الآلوسي: البحث الرابع: في سر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، وقد ازدحمت فيه أذهان العلماء بعد بيان نكتته العامة؛ وهي التفنن في الكلام والعدول من أسلوب إلى آخر؛ تطرية له وتنشيطًا للسامع، فقيل: لما ذكر الحقيق بالحمد، ووصف بصفات عظام تميز بها عن سائر الذوات، وتعلق العلم بمعلوم معين خوطب بذلك؛ ليكون أدل على الاختصاص، والترقي من البرهان إلى العيان، والانتقال من الغيبة إلى الشهود، وكأن المعلوم صار عيانًا، والمعقول مشاهدًا والغيب حضورًا.

وقيل: لما شرح الله تعالى صدر عبده، وأفاض على قلبه وقالبه نور الإيمان والإسلام من عنده؛ ترقى بذريعة الحمد المستجلب لمزيد النعم إلى رتبة الإحسان وهو: "أن تعبد الله تعالى كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". وأيضًا، حقيقة العبادة انقياد النفس الأمارة لأحكام الله تعالى، وصورته وقالبه الإسلام، ومعناه وروحه الإيمان، ونوره الإحسان وفي {نَعْبُدُ} والالتفات تتم الأمور الثلاثة. وأيضًا لما تبين أنه ملك في الأزل ما في أحايين الأبد علم أن الشاهد والغائب والماضي والمستقبل بالنسبة إليه على حد سواء؛ فلذلك عدل عن الغيبة إلى الخطاب، ويحتمل أن يكون السر أن الكلام من أول السورة إلى هنا ثناء، والثناء في الغيبة أولى ومن هنا إلى الآخر دعاء.

وقيل: إنه لما كان الحمد لا يتفاوت غيبة وحضورًا؛ بل هو مع ملاحظة الغيبة أدخل وأتم، وكانت العبادة إنما يستحقها الحاضر الذي لا يغيب كما حكى سبحانه عن


(١) نظم الدرر (١/ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>