التفت إلى الخطاب للإشارة إلى أنه إذا قامت القيامة على ساق، وكان إلى ربك يومئذ المساق، هنالك يفوز المؤمن بلذة الحضور، ويتبلج جبينه بأنوار الفرح والسرور، ويخلو به الديان وليس بينه وبينه ترجمان، ويكشف الحجاب، وتدور بين الأحباب كؤوس الخطاب، فتأمل في عظيم الرحمة كيف قرن سبحانه هذا الترهيب برحمتين فصرح قبل يوم الدين بما صرح ورمز بعد ذكره بما رمز ولن يغلب عسر يسرين. (١)
وقال الرازي: لقائل أن يقول: قوله: "الحمد لله رب العالمين. الرحمن الرحيم. مالك يوم الدين" كله مذكور على لفظ الغيبة، وقوله:"إياك نعبد وإياك نستعين" انتقال من لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب، فما الفائدة فيه؟ قلنا فيه وجوه:
الأول: أن المصلي كان أجنبيًا عند الشروع في الصلاة، فلا جرم أثنى على الله بألفاظ المغايبة إلى قوله مالك يوم الدين، ثم إنه تعالى كأنه يقول له حمدتني، وأقررت بكوني إلهًا ربًا رحمانًا رحيمًا مالكًا ليوم الدين، فنعم العبد أنت؛ قد رفعنا الحجاب، وأبدلنا البعد بالقرب، فتكلم بالمخاطبة وقل: إياك نعبد.
الوجه الثاني: أن أحسن السؤال ما وقع على سبيل المشافهة {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[الأعراف: ٢٣]، و {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا}[آل عمران: ١٤٧]، {رَبِّ هَبْ لِي}[آل عمران: ٣٨]، و {رَبِّ أَرِنِي}[الأعراف: ١٤٣] والسبب فيه: أن الرد من الكريم على سبيل المشافهة والمخاطبة بعيد. وأيضًا العبادة خدمة، والخدمة في الحضور أولى.
الوجه الثالث: أن من أول السورة إلى قوله: "إياك نعبد" ثناء، والثناء في الغيبة أولى، ومن قوله: إياك نعبد وإياك نستعين إلى آخر السورة دعاء، والدعاء في الحضور أولى.
الوجه الرابع: العبد لما شرع في الصلاة، وقال: نويت أن أصلي تقربًا إلى الله، فينوي حصول القربة، ثم إنه ذكر بعد هذه النية أنواعًا من الثناء على الله، فاقتضى كرم الله إجابته في