للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيديهم إليه من اليهود، يقول الله - جل وعز - له: اعف، يا محمد، عن هؤلاء اليهود الذين هَمُّوا بما هَمُّوا به من بسط أيديهم إليك وإلى أصحابك بالقتل، واصفح لهم عن جُرْمهم بترك التعرُّض لمكروههم، فإني أحب من أحسنَ العفو والصَّفح إلى من أساء إليه، ما لم يَنْصِبُوا - أي اليهود - حربًا دون أداء الجزية، ويمتنعوا من الأحكام اللازمَة منهم. (١)

قلت: وهذا ليس صفحًا عاديًّا؛ فإن اليهود من أشد الناس عداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللذين آمنوا، قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: ٨٢]. فإذا أمرت بالصفح عن من أساء إليك فهذا عين الخير، لكن إن أمرت به تجاه عدوك فهذا ذروة سنامه. وقال: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: ١٠٩]، وقال: {وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن: ١٤]، وقال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٤].

والوقوف مع بقية المواطن التي حثت على ذلك طويل جدًّا لكننا نشير إشارات تغني بإذن الله عن طول عبارات يضيق المقام بها.

وفي السنة المطهرة أيضًا من ذلك كثير:

فعَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ - أي الموت -، قَالَ: {وَعَلَيْكُمْ}، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: السَّامُ عَلَيْكُمْ، وَلَعَنَكُمُ الله وَغَضِبَ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَهْلًا، يَا عَائِشَةُ، عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ أَو الْفُحْشَ"، قَالَتْ: أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا؟ ! قَالَ: "أَوَلَمْ تَسْمَعِي مَا قُلْتُ؟ ، رَدَدْتُ عَلَيْهِمْ، فَيُسْتَجَابُ لِي فِيهِمْ، وَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي". (٢)

وعن أبي كبشة الأنماري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ، وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ الله عِزًّا". (٣)


(١) الطبري (١٠/ ١٣٤).
(٢) البخاري (٥٦٨٣).
(٣) مسند أحمد ٤/ ٢٣١، والترمذي (٢٣٢٥)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (٨٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>