عاشرًا: مرسل عروة بن الزبير: عن عروة بن الزبير في قصة مهاجري الحبشة قال: وقال المشركون من قريش: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه، وأصحابه فإنه لا يذكر أحدًا ممن خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله - عز وجل - السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (٢٠)} ألقى الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: وإنهن لمن الغرانيق العلى وإن شفاعتهم لترتجى، وذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك، وذلت بها ألسنتهم، واستبشروا بها، وقالوا: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قد رجع إلى دينه الأول، ودين قومه، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر السورة التي فيها النجم سجد، وسجد معه كل من حضر من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان رجلًا كبيرًا فرفع على كفه ترابًا فسجد عليه فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين على غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان على ألسنة المشركين، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه لما سمعوا الذي ألقى الشيطان في أمنية النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحدثهم الشيطان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتى بلغت الحبشة فلما سمع عثمان بن مظعون، وعبد الله بن مسعود، ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس قد أسلموا وصلوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التراب على كفيه أقبلوا سراعًا، وكبر ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أمسى أتاه جبريل - عليه السلام - فشكا إليه، فأمره فقرأ عليه فلما بلغها تبرأ منها جبريل - عليه السلام - وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شق عليه وقال: أطعت الشيطان، وتكلمت بكلامه، وشركني في أمر الله فنسخ الله - عز وجل - ما ألقى الشيطان وأنزل عليه {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ