للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشنقيطي: واعلم أن ما يذكره كثير من المفسرين في تفسير هذه الآية الكريمة مما لا يليق بمنصب داود - عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام - كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معوّل عليه (١).

قال الرازي: وأقول للناس في هذه القصة ثلاثة أقوال أحدها: ذكر هذه القصة على وجه يدل على صدور الكبيرة عنه. وثانيها: دلالتها على الصغيرة. وثالثها: بحيث لا تدل على الكبيرة ولا على الصغيرة.

فأما القول الأول: فحاصل كلامهم فيها أن داود عشق امرأة أوريا، فاحتال بالوجوه الكثيرة حتى قتل زوجها ثم تزوج بها فأرسل الله إليه ملكين في صورة المتخاصمين في واقعة شبيهة بواقعته، وعرضا تلك الواقعة عليه، فحكم داود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنبًا، ثم تنبه لذلك فاشتغل بالتوبة (٢).

والذي أدين به وأذهب إليه أن ذلك باطل ويدل عليه وجوه:

الأول: أن هذه الحكاية لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم فجورًا لاستنكف منها، والرجل الذي يقرر تلك القصة لو نسب إلى مثل هذا العمل لبالغ في تنزيه نفسه، وربما لعن من ينسبه إليها، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يليق بالعاقل نسبة المعصوم إليه؟

الثاني: أن حاصل القصة يرجع إلى أمرين إلى السعي في قتل رجل مسلم بغير حق وإلى الطمع في زوجته؛ أما الأول: فأمر منكر، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من سعى في دم مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا بين عينيه: آيسٌ من رحمة الله" (٣).

أما الثاني: فمنكر عظيم قال - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" (٤)، وإن أوريا لم يسلم من داود لا في روحه ولا في منكوحه.


(١) أضواء البيان (٧/ ٢٤).
(٢) وقد نسب مثل هذا الكلام الكتابُ القدسُ لنبي الله داود كما ستعرف في الوجه الأخير.
(٣) ضعيف. أخرجه ابن ماجه (٢٦٢٠)، الضعفاء للعقيلي (٤/ ١٤٩٠)، البيهقي في الكبرى (٨/ ٢٢)، وضعّف الحديث: أبو حاتم وأحمد وابن حبان، وغيرهم، انظر الضعيفة للألباني (٥٠٣).
(٤) أخرجه البخاري (١٠, ١١)، مسلم (٤٠، ٤١، ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>