والثالث: أن الله تعالى وصف داود - عليه السلام - قبل ذكر هذه القصة بالصفات العشرة المذكورة، ووصفه أيضًا بصفات كثيرة بعد ذكر هذه القصة، وكل هذه الصفات تنافي كونه - عليه السلام - موصوفًا بهذا الفعل المنكر والعمل القبيح، ولا بأس بإعادة هذه الصفات لأجل المبالغة في البيان.
فنقول أما الصفات الأولى: فهي أنه تعالى أمر محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بأن يقتدي بداود في المصابرة مع المكابدة، ولو قلنا إن داود لم يصبر على مخالفة النفس بل سعى في إراقة دم امرىء مسلم لغرض شهوته فكيف يليق بأحكم الحاكمين أن يأمر محمدًا أفضل الرسل بأن يقتدي بداود في الصبر على طاعة الله.
وأما الصفة الثانية: فهي أن وصفه بكونه عبدًا له، وقد بينا أن المقصود من هذا الوصف بيان كون ذلك الموصوف كاملًا في موقف العبودية تامًا في القيام بأداء الطاعات والاحتراز عن المحظورات، ولو قلنا إن داود - عليه السلام - اشتغل بتلك الأعمال الباطلة، فحينئذٍ ما كان داود كاملًا في عبوديته لله تعالى بل كان كاملًا في طاعة الهوى والشهوة.
الصفة الثانية: هو قوله: {ذَا الْأَيْدِ}[ص: ١٧] أي: ذا القوة، ولا شك أن المراد منه القوة في الدين، لأن القوة في غير الدين كانت موجودة في ملوك الكفار، ولا معنى للقوة في الدين إلا القوة الكاملة على أداء الواجبات، والاجتناب عن المحظورات، وأي قوة لمن لم يملك نفسه عن القتل والرغبة في زوجة المسلم؟
الصفة الرابعة: كونه أوابًا كثير الرجوع إلى الله تعالى، وكيف يليق هذا بمن يكون قلبه مشغوفًا بالقتل والفجور؟
الصفة الخامسة: قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ}[ص: ١٨] أَفَتُرَى أنه سُخرت لي الجبال ليتخذها وسيلة إلى القتل والفجور؟ !
الصفة السادسة: قوله: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً}[ص: ١٩]، وقيل إنه كان مُحرمًا عليه صيد شيء من الطير وكيف يعقل أن يكون الطير آمنًا منه ولا ينجو منه الرجل المسلم على روحه ومنكوحه؟