النار، وحصل للذبيح من الذبح، وحصل ليعقوب من الشدائد الموجبة لكثرة الثواب، فأوحى الله إليه أنهم إنما وجدوا تلك الدرجات لأنهم لما ابتلوا صبروا فعند ذلك سأل داود - عليه السلام - الابتلاء، فأوحى الله إليه أنك ستبلى في يوم كذا فبالغ في الاحتزاز ثم وقعت الواقعة.
فنقول: أول حكايتهم يدل على أن الله تعالى يبتليه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ويكمل مراتب إخلاصه فالسعي في قتل أول حكايتهم يدل على أن الله تعالى بيتليه بالبلاء الذي يزيد في منقبته ويكمل مراتب إخلاصه فالسعي في قتل النفس بغير الحق والإفراط في العشق كيف يليق بهذه الحالة، ويثبت أن الحكاية التي ذكروها يناقض أولها آخرها.
الخامسة: أن داود - عليه السلام - قال:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} استثنى الذين آمنوا عن البغي، فلو قلنا إنه كان موصوفًا بالبغي لزم أن يقال إنه حكم بعدم الإيمان على نفسه وذلك باطل.
السادسة: حضرت في بعض المجالس وحضر فيه بعض أكابر الملوك، وكان يريد أن يتعصب لتقرير ذلك القول الفاسد والقصة الخبيثة لسبب اقتضى ذلك، فقلت له: لا شك أن داود - عليه السلام - كان من أكابر الأنبياء والرسل، ولقد قال الله تعالى:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام: ١٢٤] ومن مدحه الله تعالى بمثل هذا المدح العظيم لم يجز لنا أن نبالغ الطعن فيه، وأيضًا فبتقدير أنه ما كان نبيًا فلا شك أنه كان مسلمًا، ثم على تقدير أنا لا نلتفت إلى شيء من هذه الدلائل إلا أنا نقول: إن من المعلوم بالضرورة أن بتقدير أن تكون القصة التي ذكرتموها حقيقية صحيحة فإن روايتها وذكرها لا يوجب شيئًا من الثواب؛ لأن إشاعة الفاحشة إن لم توجب العقاب فلا أقل من أن لا توجب الثواب، وأما بتقدير أن تكون هذه القصة باطلة فاسدة فإن ذاكرها يستحق أعظم العقاب والواقعة التي هذا شأنها وصفتها، فإن صريح العقل يوجب السكوت عنها فثبت أن الحق ما ذهبنا إليه، وأن شرح تلك القصة محرم محظور فلما سمع ذلك الملك هذا الكلام سكت، ولم يذكر شيئًا.
السابعة: أن ذكر هذه القصة وذكر قصة يوسف - عليه السلام - يقتضي إشاعة الفاحشة فوجب أن يكون محرمًا لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا}[النور: ١٩].