للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أنزل الله الآيات كانشقاق القمر، اجتمع إليه المشركون بعد مدة فسألوه أن يأتي إليهم بالله والملائكة قبيلًا، وسألوه أن يرد لهم أجدادهم الماضين، ويكون فيهم قصي بن كلاب ليسألوه أحق ما أتي به أم لا؟ .

وطلبوا منه أن يزحزح عنهم جبال مكة، ويفجر لهم في بطحائها أنهارًا، وسألوه أن يسقط عليهم من السماء كسفًا، وأن يكون له بيت من زخرف ويرقي في السماء، ويأتيهم بكتاب مع الملائكة يشهدون، وهذا كله منصوص في السورة السابعة عشر من القرآن فقال: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: ٩٣]؛ وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ} يعني هذه الآيات التي طلبوها منه، ثم قال: {إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [الإسراء: ٥٩] يشير إلي تكذيبهم بانشقاق القمر قبل ذلك. وتكذيب الأنبياء من قبله. (١)

وأما انشقاق القمر فإنه آية لم يطلبها المشركون بعينها؛ وإنما طلبوا آية دون تحديد فانشق القمر، كما في صحيح البخاري عن أنس - رضي الله عنه - قال: سأل أهل مكة أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر.

وبهذا يتبين أنه لا تعارض يبن انشقاق القمر ومضمون الآية الكريمة ولله الحمد والمنة.

أما عن قولهم لو وقع ذلك لرآها كثير من الناس وما أهمله أهل التاريخ وتواتر عندهم:

والرد على هذا من وجوه:

الوجه الأول: يكفينا ثبوتها في القرآن وتواترها في سنة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد سبق بيان ذلك في أول البحث.

الوجه الثاني: قال الحافظ ابن حجر إنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَيْلًا وَأَكْثَر النَّاس نِيَام وَالْأَبْوَاب مُغَلَّقَة، وَقَلَّ مَنْ يُرَاصِد السَّمَاء إِلَّا النَّادِر، وَقَدْ يَقَع بِالْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَادَة أَنْ يَنْكَسِف الْقَمَر، وَتَبْدُو الْكَوَاكِب الْعِظَام وَغَيْر ذَلِكَ فِي اللَّيْل وَلَا يُشَاهِدهَا إِلَّا الْآحَاد، فَكَذَلِكَ الِانْشِقَاق كَانَ آيَة وَقَعَتْ فِي اللَّيْل لِقَوْم سَأَلُوا وَاقْتَرَحُوا فَلَمْ يَتَأَهَّب غَيْرهمْ لَهَا، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَمَر لَيْلَتئِذٍ كَانَ فِي بَعْض الْمَنَازِل الَّتِي تَظْهَر لِبَعْضِ أَهْل الْآفَاق دُون بَعْض كَمَا يَظْهَر


(١) بين الإسلام والمسيحية لأبي عبيدة الخزرجي (٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>