للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا هو مذهب جمهورهم خلافًا للنسطورية واليعقوبية كما هو مبين في الحاشية والحاصل أن جميع الفرق المسيحية تتفق على أن المسيح بشرٌ وإلهٌ بنفس الوقت! وإنما تختلف عن بعضها في مدى تأكيدها وإبرازها لأحد الجانبين الإلهية أو البشرية في المسيح، فاليعاقبة يؤكدون الجانب الإلهي أكثر، وعلى عكسهم النساطرة الذين يبرزون أكثر الجانب البشري في حين يطرح الجمهور الأعظم رؤية متوازية ومتعادلة للجانبين الإلهي والبشري


= عيسى البشر المولود من مريم العذراء الذي هو إنسان بشر محض، وشخص الله الابن، أو ابن الله الذي هو إله كامل، المتحد بعيسى الإنسان، حسب زعمهم، فالذي ولد من مريم العذراء هو عيسى الإنسان وليس الله، ولذلك رفضوا قبول عبارة "مريم والدة الله"، كما أن الذي صُلِبَ -في اعتقادهم- وتألم ومات، لم يكن الله الابن، بل عيسى الإنسان البشر، والحاصل أن المسيح في اعتقادهم شخصيتان متمايزتان لكل شخصية طبيعتها الخاصة: البشرية المحضة لعيسى الناصري المولود من مريم العذراء، والإلهية المحضة لابن الله المتحد بعيسى في اعتقادهم. وعلى النقيض من ذلك تمامًا الطائفة الأخرى وهم اليعاقبة، الذين يرون أن عيسى المسيح شخص واحد فقط، لا شخصان، وليس هذا فحسب، بل هذا الشخص الواحد ذو طبيعة واحدة أيضًا، ولذلك يُسمَّوْن أيضًا بالمونوفيزيين، أي القائلون بالطبيعة الواحدة للمسيح، فاعتقادهم هو أن: أقنوم الابن من الله تجسد من روح القدس ومريم العذراء فصيَّر هذا الجسد معه واحدًا وحدة ذاتية جوهرية، أي صار الله (الابن) المتجسد، طبيعة واحدة من أصل طبيعتين، ومشيئة واحدة وشخضا واحدًا. وبعبارة أخرى: المركز المسيّر والطبيعة الحقيقية لعيسى المسيح الذي ولد من مريم هي الألوهية المحضة، فهو الله عينه، أما بشريته فهي مجرد لباس فانٍ في إلهيته. فلذلك الله تعالى عندهم هو بذاته الذي وُلِدَ من مريم العذراء، لذا فهي والدة الله، والله نفسه هو الذي عُذِّب وتألم وصلب ومات! ثم قام بعد ثلاثة أيام من قبره حيًّا -تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا- وفي هؤلاء جاء قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (المائدة: ١٧)، وقوله سبحانه كذلك: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَال الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة: ٧٢).
وبهذا المذهب اليعقوبي تدين الكنيسة القبطية في مصر وكنيسة الحبشة التابعة لها، كما هو مذهب السريان الأرثوذكس في بلاد الشام، ومذهب الكنيسة الأرمنية الغريغورية. أما مذهب الجمهور الأعظم فهو الذي قال الله تعالى في شأنه: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المائدة: ٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>