للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ليحدثوا أيضًا مثل هذا العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثه، ولا يَدَعُونَ أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه، ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله في تحويل القبلة - وهو فرض - مما يجوز لهم؛ لقال لهم - إن شاء الله - رسول الله قد كنتم على قبلة، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة من سماعكم مني، أو خبر عامة، أو أكثر من خبر واحد عني (١).

* وحديث أنس - رضي الله عنه - قال: "كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة، وأبي بن كعب شرابًا من فضيخ، فجاءهم آت، فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها" (٢).

قال الشافعي: وهؤلاء في العلم والمكان من النبي، وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم، وقد كان الشراب عندهم حلالًا يشربونه، فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر؛ فأمر أبو طلحة - وهو مالك الجرار - بكسر الجرار، ولم يقل هو، ولا هم، ولا واحد منهم: نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله مع قربه منا، أو يأتينا خبر عامة، وذلك أنهم لا يهريقون حلالًا إهراقه سرف، وليسوا من أهله، والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله ما فعلوا، ولا يدع، لو كان قبلوا من خبر الواحد ليس لهم أن ينهاهم عن قبوله. (٣)

* وكذلك قضاء عمر - رضي الله عنه - في الجنين حين قال لأصحابه: "أُذكر الله امرءًا سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الجنين شيئًا، فقام حمل بن مالك فقال: "كنت بين جارتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينًا ميتًا، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع به لقضينا بغيره.


(١) الرسالة (٤٠٦ - ٤٠٨).
(٢) رواه البخاري (٦٨٢٦)، ومسلم (١٩٨٠).
(٣) الرسالة (٤٠٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>