للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له" (١).

وقد اشتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان يغتبط بها ويسميها (الصادقة)، وبقيت عند ولده يروون منها (٢).

أما ما زعمه أن صحيفة عبد الله بن عمرو إنما كانت فيها أذكار وأدعية فباطل قطعًا، وأما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجرد للرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك كان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.

فهذه الأحاديث -وغيرها مما يأتي- إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي:

قد ثبت في حديث زيد بن ثابت في جمعه القرآن (فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف) (٣)، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية والآيتان، فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع، في كل منها آية أو آيتان أو نحوها، وأن هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا؛ لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سدًّا للذريعة.


(١) فتح الباري (١/ ١٨٥)، المستدرك (١/ ١٠٤). قال ابن حجر: (إسناده حسن، وله طريق أخرى ... ) وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق.
(٢) تهذيب التهذيب (٨/ ٤٤)
(٣) صحيح البخاري (٤٧٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>