للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - قال الإمام البدر والعيني: ولم يقع تعيين الجناح الذي فيه الشفاء، وذكر عن بعض العلماء: أنه تأمله فوجده يتقي بجناحه الأيسر؛ فعرف أن الأيمن هو الذي فيه الشفاء، قوله: "داء" المراد به السم الذي فيه، ويوضحه حديث أبي سعيد، فإن فيه أنه يقدم السم ويؤخر الشفاء، ولا يحتاج فيه إلى التخريج الذي تكلفه بعض الشراح، فقال: إن في اللفظ مجازًا، وهو كون الداء في أحد الجناحين، فهو إما من مجاز الحذف والتقدير: فإن في أحد جناحيه سبب داء، وإما مبالغة، بأن يجعل كل الداء في أحد جناحيه لما كان سببًا له، وقال الخطابي: هذا مما ينكره من لم يشرح الله قلبه بنور المعرفة، ولم يتعجب من النحلة، جمع الله فيها الشفاء والسم معًا؛ فتعسل من أعلاه وتسم من أسفلها بحمتها، والحية سمها قاتل ولحمها مما يستشفى به من الترياق الأكبر من سمها، فريقها داء ولحمها دواء، ولا حاجة لنا مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصادق الصدوق إلى النظائر، وأقوال أهل الطب الذين ما وصلوا إلى علمهم إلا بالتجربة، والتجربة خطر، والله على كل شيء قدير، وإليه التوكل والمصير. (١)

٣ - قال ابن حجر: وقال أبو محمد المالقي: ذباب الناس يتولد من الزبل، وإن أخذ الذباب الكبير فقطعت رأسها وحك بجسدها الشعرة التي في الجفن حكًا شديدًا أبرأته، وكذا داء الثعلب، وإن مسح لسعة الزنبور بالذباب سكن الوجع، واستدل بهذا الحديث على أن الماء القليل لا ينجس بوقوع ما لا نفس له سائلة فيه؛ ووجه الاستدلال: كما رواه البيهقي عن الشافعي أنه -صلى الله عليه وسلم- لا يأمر بغمس ما ينجس الماء إذا مات فيه، لأن ذلك إفساد، قال الخطابي: تكلم على هذا الحديث مَنْ لا خلاق له، فقال: كيف يجتمع الشفاء والداء في جناحي الذباب؟ وكيف يعلم ذلك من نفسه حتى يقدم جناح الشفاء؟ وما ألجأه إلى ذلك؟ قال: وهذا سؤال جاهل أو متجاهل؛ فإن كثيرًا من الحيوان قد جمع الصفات المتضادة؛ وقد ألف الله بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوي الحيوان، وإن الذي ألهم النحلة اتخاذ البيت العجيب الصنعة للتعسيل فيه، وألهم النملة أن تدخر قوتها لأوان حاجتها وأن تكسر الحبة نصفين لئلا


(١) عمدة القاري (٢١/ ٢٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>