للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تستنبت، لقادر على إلهام الذبابة أن تقدم جناحًا وتؤخر آخر. (١)

وقال ابن الجوزي: ما نقل عن هذا القائل ليس بعجيب؛ فإن النحلة تعسل من أعلاها وتلقي السم من أسفلها، والحية القاتل سمها تدخل لحومها في الترياق الذي يعالج به السم، والذبابة تسحق مع الإثمد لجلاء البصر، وذكر بعض حذاق الأطباء أن في الذباب قوة سمية يدل عليها الورم والحكة العارضة عن لسعه، وهي بمنزلة السلاح له؛ فإذا سقط الذباب فيما يؤذيه تلقاه بسلاحه؛ فأمر الشارع أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله تعالى في الجناح الآخر من الشفاء، فتتقابل المادتان فيزول الضرر بإذن الله تعالى (٢)، واستدل بقوله "ثم لينزعه" على أنها تنجس بالموت كما هو أصح القولين للشافعي، والقول الآخر، كقول أبي حنيفة أنها لا تنجس والله أعلم. (٣)

٤ - قال ابن قتيبة:

ونقول: إن من حمل أمر الدين على ما شاهد فجعل البهيمة لا تقول، والطائر لا يسبح، والبقعة من بقاع الأرض لا تشكو إلى أختها، والذباب لا يعلم موضع السم، وموضع الشفاء؛ واعترض على ما جاء في الحديث مما لا يفهمه، فقال: كيف يكون قيراط مثل أحد؟ وكيف يأكل الشيطان بشماله ويشرب بشماله؟ وأي شمال له؟ وكيف لقي آدم موسى صلى الله عليهما؛ حتى تنازعا في القدر وبينهما أحقاب؟ وأين تنازعا؟ فإنه منسلخ من الإسلام معطل غير أنه يستعد بمثل هذا وشبهه من القول، واللغو والجدال ودفع الأخبار والآثار مخالف لما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولما درج عليه الخيار من صحابته والتابعون، ومن كذب ببعض ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان كمن كذب به كله، ولو أراد أن ينتقل عن الإسلام إلى دين لا يؤمن فيه بهذا وأشباهه، لم يجد منتقلًا، لأن اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والوثنية يؤمنون بمثل ذلك، ويجدونه مكتوبًا عندهم، وما علمت أحدًا ينكر هذا إلا قومًا من الدهرية، وقد اتبعهم على ذلك قوم من أهل الكلام والجهمية.


(١) معالم السنن للخطابي (٤/ ٢٣٩).
(٢) كشف المشكل من حديث الصحيحين (١/ ١٠٢١).
(٣) فتح الباري (١٠/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>