للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: وهذا قريب من جعل الحدود كفارات لأهلها؛ قال العلماء وذلك في حق المسلمين، كما نطق به الخبر؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - دعا على الكفار والمنافقين ولم يكن لهم رحمة (١).

٤ - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشر كباقي البشر: "إِنَّمَا أنا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضبُ كَمَا يَغْضبُ الْبَشَرُ" (٢).

فهو - صلى الله عليه وسلم - إنما يغضب لمخالفة الشرع فغضبه - صلى الله عليه وسلم - لله سبحانه وتعالى، وله أن يؤدب على ذلك بما يرى من سب أو لعن أو جلد أو دعاء (٣).

فغضبه - صلى الله عليه وسلم - لله سبحانه وتعالى يحمله على تعجيل معاقبة مخالفه وتر الإغضاء والصفح ويؤيده حديث عائشة ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله (٤).

قال الماوردي: يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن دعاءه وسبه وجلده كان مما خير فيه بين أمرين.

أحدهما: هذا والثاني: زجره بأمر آخر يحمله الغضب لله تعالى على أحد الأمرين المخير فيهما وهو السب واللعن والجلد، فليس ذلك خارجًا عن حكم الشرع، ومعنى: "اجعلها صلاة" أي رحمة كما في الرواية الأخرى ولا يفهم من قوله: "وأغضب كما يغضب البشر" أن الغضب حمله على ما لا يجب؛ بل يجوز أن يكون المراد بهذا: أن الغضب لله حمله على معاقبته بلعنه أو سبه، وأنه مما كان يحتمل، ويجوز عفوه عنه، أو كان مما خير بين المعاقبة فيه والعفو عنه وليس في ذلك الغضب خروج عن شرعه، وعصمته في سلوكه وخلقه، بل في ذلك كمال خلقه، ودلالة على بشريته، كما صرح بذلك في رواية مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر" (٥).


(١) غاية السول في خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - (١/ ٣٩).
(٢) مسلم (٦٧٩٢).
(٣) شرح الأبي على مسلم (٧/ ٤٣).
(٤) فتح الباري (١١/ ١٧٦).
(٥) غاية السول في خصائص الرسول - صلى الله عليه وسلم - (١/ ٣٩) الشفا (٢/ ١٩٦)، رد شبهات حول عصمة النبي في ضوء السنة النبوية الشريفة (١/ ٧٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>