ويجري أحكامه - صلى الله عليه وسلم - على الظاهر وموجب غلبات الظن بشهادة الشاهد ويمين الحالف ومراعاة الأشبه ومعرفة العفاص والوكاء مع مقتضى حكمة الله في ذلك فإنه تعالى لو شاء لأطلعه على سرائر عباده ومخبآت ضمائر أمته فتولى الحكم بينهم بمجرد يقينه وعلمه دون حاجة إلى اعتراف أو بينة أو يمين أو شبهة ولكن لما أمر الله أمته باتباعه والاقتداء به في أفعاله وأحواله وقضاياه وسيره وكان هذا لو كان مما يختص بعلمه ويؤثره الله به لم يكن للأمة سبيل إلى الاقتداء به في شيء من ذلك ولا قامت حجة بقضية من قضاياه لأحد في شريعته لأنا لا نعلم ما أطلع عليه هو في تلك القضية بحكمه هو إذا في ذلك المكنون من إعلام الله له بما أطلعه عليه من سرائرهم وهذا ما لا تعلمه الأمة فأجرى الله تعالى أحكامه على ظواهرهم التي يستوي في ذلك هو وغيره من البشر ليتم اقتداء أمته به في تعيين قضاياه وتنزيل أحكامه ويأتون ما أتوا من ذلك على علم ويقين من سنته، إذ البيان بالفعل أوقع منه بالقول وأرفع الاحتمال اللفظ وتأويل المتأول وكان حكمه على الظاهر أجلى في البيان وأوضح في وجوه الأحكام وأكثر فائدة لموجبات التشاجر والخصام وليقتدي بذلك كله حكام أمته ويستوثق بما يؤثر عنه وينضبط قانون شريعته وطي ذلك عنه من علم الغيب الذي استأثر به عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فيعلمه منه بما شاء ويستأثر بما شاء ولا يقدح هذا في نبوته ولا يفصم عروة من عصمته.
وأما أقواله الدنيوية من أخباره عن أحواله وأحوال غيره وما يفعله أو فعله فقد قدمنا أن الخلف فيها ممتنع عليه في كل حال، وعلى أي وجه، من عمد أو سهو، أو صحة أو مرض، أو رضا أو غضب، وأنه معصوم منه - صلى الله عليه وسلم -.