هذا فيما طريقه الخبر المحض مما يدخله الصدق والكذب، فأما المعاريض الموهم ظاهرها خلاف باطنها فجائز ورودها منه في الأمور الدنيوية لا سيما لقصد المصلحة كتوريته عن وجه مغازيه لئلا يأخذ العدو حذره، إلى غير ذلك. هذا كله فيما بابه الخبر.
فأما ما بابه غير الخبر مما صورته صورة الأمر والنهى في الأمور الدنيوية فلا يصح منه أيضًا ولا يجوز عليه أن يأمر أحدًا بشيء أو ينهى أحدًا بشيء وهو يبطن خلافه.
وقال القاضي من قبل: وأما ما ليس سبيله سبيل البلاغ من الأخبار التي لا مستند لها إلى الأحكام ولا أخبار المعاد ولا تضاف إلى وحى بل في أمور الدنيا وأحوال نفسه فالذي يجب تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أن يقع خبره في شيء من ذلك بخلاف مخبره لا عمدًا ولا سهوًا ولا غلطًا وأنه معصوم من ذلك في حال رضاه وفى حال سخطه وجده ومزحه وصحته ومرضه ودليل ذلك اتفاق السلف وإجماعهم عليه وذلك أنا نعلم من دين الصحابة وعادتهم مبادرتهم إلى تصديق جميع أحواله وللثقة بجميع أخباره في أي باب كانت وعن أي شيء وقعت وأنه لم يكن لهم توقف ولا تردد في شيء منها ولا استثبات عن حاله عند ذلك هل وقع فيها سهو أم لا.
وأيضًا فإن أخباره وآثاره وسيره وشمائله معتنى بها مستقصى تفاصيلها ولم يرد في شيء منها استدراكه - صلى الله عليه وسلم - لغلط في قول قاله أو اعترافه بوهم في شيء أخبر به ولو كان ذلك لنقل كما نقل من قصته عليه السلام رجوعه - صلى الله عليه وسلم - عما أشار به على الأنصار في تلقيح النحل وكان ذلك رأيا لا خبرًا.
وأيضًا فإن الكذب متى عرف من أحد في شيء من الأخبار بخلاف ما هو على أي وجه كان، استريب بخبره واتهم في حديثه ولم يقع قوله في النفوس موقعا ولهذا ترك المحدثون والعلماء الحديث عمن عرف بالوهم والغفلة وسوء الحفظ وكثرة الغلط مع ثقته وأيضا فإن تعمد الكذب في أمور الدنيا معصية والإكثار منه كبيرة بإجماع مسقط للمروءة وكل هذا مما ينزه عنه منصب النبوة والمرة الواحدة منه فيما يستبشع ويستشنع مما يخل بصاحبها ويزري بقائلها لا حقة بذلك وأما فيما لا يقع هذا الموقع فإن عددناها من