للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الروايات والمذاهب الشاذة والأقوال الباطلة المحرفة للنصوص الصحيحة الصريحة، لينسفوا هذا الأمر برمَّته من أجل اتباع الهوى، ووالله إن إيمان أبويه - صلى الله عليه وسلم - لهوى كل مؤمن يحبه - صلى الله عليه وسلم -، لكن ما حيلة المؤمن وقد حكم الله وأخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم - أنهما ماتا على الشرك، وأن أباه في النار، أيسوغ بعد هذا أن يعاند المرء ويتبع هواه؟ !

نقض المسلك الثاني:

وهو أنهما كانا على أصل التوحيد، فلم يقعا في الشرك وعبادة الأوثان، فهم كباقي الموحدين الحنيفيين الذين ماتوا قبل البعثة كزيد بن عمرو، وورقة بن نوفل وغيرهما.

قلت (الزهراني): أما عن ذكرهم فقد جاءت النصوص بذلك، وأما والداه فقد ثبت أنهما في النار كما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فكيف يسوِّيِ بين مَن فرَّق الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بينهم؟

قال السيوطي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا، حَتَّى كُنْتُ مِنْ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ". (١)

واستدل السيوطي بهذا الحديث وأمثاله، على أن كل أصل من أصول النبي - صلى الله عليه وسلم - من آدم إلي أبيه عبد الله، فهو من خير أهل قرنه وأفضلهم.

ولكن الخيرية للقرن بعامة، لا تعني الخيرية المطلقة، والكلام في هذه النصوص وما صح منها، يتكلم عن الخيرية في النسب، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - بُعِثَ من أشرف الناس نسبًا، كما جاء في الحديث الذي ساقه أيضًا السيوطي: "إِنَّ الله اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ" (٢) وهذا الحديث يغني عن كل النصوص الضعيفة والمناكير التي جاء بها السيوطي، ولكن ما معناه؟

معناه كما قال كل الأئمة ممن شرح هذا الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - سليل الشرف والحسب، وأنه مطهَّر من رجس الزنا في نسبه الكريم، وليس في هذا أدني دلالة على أن المراد بالاصطفاء


(١) البخاري (٣٥٥٧).
(٢) مسلم (٢٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>