الْعَزِيزَ، وَرِضَاهُ بِهِ، وَدُخُولِهِ تَحْتَهُ، وَانْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الضّيْمِ، وَإِعْطَاءِ مَا سَأَلُوهُ، كَانَ مِنْ الْأَسْبَابِ الّتِي نَالَ بِهَا الرّسُولُ وَأَصْحَاُبهُ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الله سُبْحَانَهُ جَزَاءً وَغَايَةً، وَإِنّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى فِعْلٍ قَامَ بِالرّسُولِ وَالمُؤْمِنِينَ عِنْدَ حُكْمِهِ تَعَالَى وَفَتْحِهِ. وَتَأَمّلْ كَيْفَ وَصَفَ - سُبْحَانَهُ - النّصْرَ بِأَنّهُ عَزِيزٌ فِي هَذَا المُوْطِنِ، وكانت نفوس المؤمنين أَحْوَجَ مَا كَانَتْ إلَى السّكِينَةِ، فَازْدَادُوا بِهَا إيمَانًا إلَى إيمَانِهِمْ، ثُمّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ بَيْعَتَهُمْ لِرَسُولِهِ؛ وَأَكّدَهَا بِكَوْنِهَا بَيْعَةً لَهُ سُبْحَانَهُ؛ وَأَنّ يَدَهُ تَعَالَى كَانَتْ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ إذْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - كَذَلِكَ وَهُوَ رَسُوُلهُ وَنَبِيّهُ فَالْعَقْدُ مَعَهُ عَقْدٌ مَعَ مُرْسِلِهِ وَبَيْعَتُهُ بَيْعَتُهُ؛ فَمَنْ بَايَعَهُ فَكَأَنّمَا بَايَعَ الله وَيَدُ الله فوْق يدِهِ، ثُمّ أَخْبَرَ أَنّ نَاكِثَ هَذِهِ البَيْعَةِ إنّمَا يَعُودُ نَكْثُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنّ لِلْمُوفي بِهَا أَجْرًا عَظِيمًا فَكُلّ مُؤْمِنٍ فَقَدْ بَايَعَ الله عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ بَيْعَةً عَلَى الْإِسْلَامِ وَحُقُوقِهِ فَنَاكِثٌ وَمُوفٍ.
ثُمّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ رِضَاهُ عَنْ المُؤْمِنِينَ بِدُخُولِهمْ تَحْتَ الْبَيْعَةِ لِرَسُولِهِ، وَأَنّهُ وَكَمَالِ الانْقِيَادِ وَالطّاعَةِ، وَإِيثَارِ الله وَرَسُولِهِ عَلَى مَا سِوَاهُ فَأَنْزَلَ الله السّكِينَةَ وَالطّمَأْنِينَةَ وَالرّضَي فِي قُلُوبِهِمْ، وَأَثَابَهُمْ عَلَى الرّضَي بِحُكْمِهِ، وَالصّبْرِ لِأَمْرِهِ فَتْحًا قَرِيبًا، وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا، وَكَانَ أَوّلُ الْفَتْحِ وَالمُغَانِمِ فَتْحَ خَيْبَرَ وَمَغَانِمَهَا، ثُمّ اسْتَمَرّتْ الْفُتُوحُ وَالمُغَانِمُ إلَى انْقِضَاءِ الدّهْرِ.
وَوَعَدَهُمْ سُبْحَانَهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا، وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ عَجّلَ لهمْ هَذِهِ الْغَنِيمَةَ، وَفِيهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنّهُ الصّلْحُ الّذِي جَرَى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوّهِمْ.
وَالثّانِي: أَنّهَا فَتْحُ خَيْبَرَ وَغَنَائِمُهَا ثُمّ قَالَ: {وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ} (الْفَتْحُ: ٢٠)، فَقِيلَ أَيْدِيَ أَهْلِ مَكّةَ أَنْ يُقَاتِلُوهُمْ، وَقِيلَ أَيْدِيَ الْيَهُودِ حِينَ هَمّوا بِأَنْ يَغْتَالُوا مَنْ بِالمُدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الصّحَابَةِ مِنْهَا، وَقِيلَ هَمّ أَهْلِ خَيْبَرَ وَحُلَفَاؤُهُمْ، الّذِينَ أَرَادُوا نَصْرَهُمْ مِنْ أَسَدٍ وَغَطَفَانَ، وَقِيلَ هِيَ فَتْحُ خَيْبَرَ جَعَلَهَا آيَةً لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ وَعَلَامَةً عَلَى مَا بَعْدَهَا مِنْ الْفُتُوحِ؛ فَإِنّ الله سُبْحَانَهُ وَعَدَهُمْ مَغَانِمَ كَثِيرَةً وَفُتُوحًا عَظِيمَةً، فَعَجّلَ لَهُمْ فَتْحَ خَيْبَرَ، وَجَعَلَهَا آيَةً لمِا بَعْدَهَا، وَجَزَاءً لِصَبْرِهِمْ وَرِضَاهُمْ يَوْمَ الحدَيْبِيَةِ وَشُكْرَانًا، وَلِهَذَا خَصّ بِهَا وَبِغَنَائِمِهَا مَنْ شَهِدَ الحدَيْبِيةَ. ثُمّ قَالَ: {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} فَجَمَعَ لَهُمْ إلَى النّصْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute